من منا لا يتذكر أبطال روايات أوروبية مشهورة عُرفوا بقوة أجسادهم، ومتانة بنياتهم الجسمانية، وحيويتهم وعنفوانهم، وجَلَدهم الكبير، وقدرتهم على التحمل، بل ومواجهتهم الموت بأذرع مفتوحة بدون خوف أو وجل. كلنا نعرف «جيمس بوند»، مثلا، العميل 007 الذي ابتكره البريطاني «أيان فليمينغ»(Ian Fleming)، كلنا قرأ -أو على الأقل شاهد- ما كان يقوم به في مهماتهم السرية، واقتحامه المخاطر بصدر عار لا يهاب أي شيء. كلنا قرأ -أو على الأقل مرة أخرى شاهد- مغامرات اللص الظريف «أرسين لوبين» للفرنسي «موريس لوبلان»(Maurice Leblanc)، وانتشى بقوته وذكائه وقدرته على المناورة والخداع، بل والعِراك أيضا. وحتى في العالم العربي، كان جيل الثمانينات والتسعينات على موعد مع نفس نوع البطل الأوروبي الشاب القوي الصَّلْد، وذلك مع روايات من قبيل: سلسلة رجل المستحيل (160 رواية)، وسلسلة ملف المستقبل (160 رواية)، وسلسلة فارس الأندلس (11 رواية)... للمصري «نبيل فاروق» –رحمه الله- وغيرها الكثير. بَيْد أن التاريخ الأدبي المعاصر يُلمع إلى بعض الاستثناءات التي طبعت نوعية البطل في الروايات الأوروبية، وخاصة على مستوى فئته العمرية، وذلك منذ النصف الأول من القرن العشرين؛ حيث نجد أن «أجاثا كريستي» (Agatha Christie) مثلا قد جعلت «مس ماربل» بطلة لعدد من رواياتها البوليسية. «ومس ماربل» هذه لمن لا يعرفها هي عانس متقدمة في السن، تقضي حياتها في رتابة داخل منزلها في الريف البريطاني، غير أن لها قدرات ذهنية جبارة تجعلها قادرة على حل أعقد الجرائم. كما أن الروائي البلجيكي «جورج سيمنون» (Georges Simenon) اتخذ من «المفتش ميغريه» بطلا لأهم رواياته البوليسية، بطل تجاوز منتصف العمر، هادئ، غير رياضي على الإطلاق، يدخن الغليون كقاطرة بخارية، غير أنه يخدم من موقعه كمفتش أَمْنَ وطنه فرنسا بكل جدية ومسؤولية. كذلك كان «رفعت إسماعيل» أيضا، بطل سلسلة ما وراء الطبيعة للمرحوم «أحمد خالد توفيق»، فهو سبعيني يعيش على تذكر ما خَبِره في حياته... بطل لا يحمل من صفات البطولة المعهودة سوى الاسم. وهكذا، تراوح البطل بصفة عامة بين البطل الشاب القوي، والبطل العجوز الذكي أو على الأقل المكافح لهموم الحياة والغيور على مصالح وطنه. غير أن الرواية الأوروبية ستعرف ابتداء من سنة 2011 تحولا غريبا في طبيعة البطل، تحول سيبدأ من السويد في مجال الرواية، وسينتشر في العالم الغربي كله في جميع أنواع الحكي (سينما، حكايات مصورة...). سيتحول البطل من شاب قوي وذكي إلى عجوز مريض، وفي نفس الآن وقح، وماجن أحيانا، بشكل يجعل الأحداث تدور في قالب كوميدي، لا يخلو من بعض الإشارات الجادة. *(أستاذ مُبَرَّز في اللغة العربية – المملكة المغربية)