"عندما كانت البورجوازية الفرنسية مزدهرة، ترفل في خمولها المعتاد بين حربي 1870 و1914، كان شبح يقفز فوق أسطح أحياء باريس الفاخرة، مُكتشفاً ذلك العالم الغامض، مخترقاً تلك البيوت المحصنة، ليسرق ما يريد"، إنه اللص الظريف أرسين لوبين، أو اللص المحترم، "الجنتلمان" كما أسماه مبتكره الكاتب الفرنسي موريس لوبلان، والذي احتفلت فرنسا بذكرى مولده ال 156 الأسبوع الماضي. جاء لوبلان إلى عالم الكتابة من عالم المال، بورجوازي من الطبقة التي تعتبر الأدب نوعاً من الوجاهة. كتب أول قصة له فنجحت بشكل منقطع النظير، حتّى أنه نافس في شهرته سيد الأدب البوليسي الأسكتلندي كونان دويل مبتكر شخصية شارلوك هولمز، ومازحه في إصداره "أرسين لوبين ضد شارلوك هولمز"، الأمر الذي رفضه دويل تماماً وعده محاولة لطمس بطل قصصه، وانتقاصاً من قيمته. الشعبية التي حصل عليها مبتكر لوبين تعامل معها النُّقّاد ببرود مبالغ فيه، كانت تلك أول ردة فعل نبّهته إلى أن عالم الأدب ليس كما يعتقد، وليس أكثر من مجموعة من الأشخاص المتعجرفين، الذين لا يختلفون في عقدهم عن رجال السياسة ومن يشبهونهم، ورغم ذلك لم يستطع أن يبتعد عن ذلك العالم، جرفه الأدب بعيداً إلى حيث لم يتوقع، حتى أنه اشترى بيتاً من خشب في مدينة إيتريتا في إقليم السين البحرية التابعة لمنطقة النورماندي شمال غرب فرنسا حيث ينحدر، وتفرّغ تماماً للكتابة، إذ كتب في ذلك البيت 19 رواية و39 قصة قصيرة، في أثناء تلك الإقامة قام بإصلاحات للبيت، وأطلق عليه اسم "لوكلو لوبين" ما يعني مكان مغلق يخص لوبين، تكريماً للشخصية التي منحته كل تلك الشهرة. الذي لا تعرفونه أن كلمة "لوبين" تعني "ترمس"، وأن الاسم استوحاه لوبلان لبطله من أزهار هذا النوع من البقوليات التي تملأ المكان، والتي كان يزرعها بنفسه. سنة 1988 اشترت حفيدته البيت مجدداً، وحوّلته لمتحف، بكل مقتنياته الجميلة، من بينها 400 بطاقة بريدية كان قد جمعها لوبلان لكل أنحاء فرنسا، وقد مثّلت فضاءات قصصه في الغالب، في المتحف أيضاً لوحات زيتية، وثيابه، وأقلامه، وأوراقه ومخطوطات، وأشياء كثيرة تخص لوبين شخصيته الشهيرة، فُتِح المتحف لجمهوره في صيف 1999، وظلّ الإقبال عليه يلامس سقف ال 24 ألف زائر سنوياً. هناك جمعية لأصدقاء أرسين لوبين أسسها الفيلسوف الفرنسي فرانسوا جورج، كما أنشئت "جائزة أرسين لوبين" العام 2006 للأدب البوليسي، والتي تمنح كل سنة لأجمل عمل بوليسي وقيمتها ألف يورو، لكنّها تعثرت في عام الكورونا هذا وتم الإعلان عن توقفها في شهر أبريل الماضي. توفي لوبلان سنة 1941، لكن بطله لوبين لم يمت، ولا يزال يحقق أرباحاً معتبرة لبلدية إيتريتا، ومداخيل لأهلها، وفي المساء حين تنام المدينة يُلمح شبحه وهو يقفز فوق أسطح بيوتها.