على امتداد تاريخها، أثبتت المملكة العربية السعودية نجاحها في إدارة الأزمات بكل اقتدار في كل مكان وزمان، وأضحت تملك مفاتيح النجاح بفضل الله ثم باتخاذ القيادة الرشيدة القرار الحكيم والسريع في الوقت المناسب. ولم تأتِ مفاتيح النجاح للمملكة في الأزمات من فراغ، بل لتاريخ من التجارب، والتعامل والخبرات في شتى المجالات السياسية والانسانية والاقتصادية.. وعندما يتعلق بالمواطن سواء في الداخل أو الخارج فإن الأمر يصبح محوري واستراتيجي ولا مجال للتأخير حتى لدقيقة واحدة.. وهذا ماحدث قولا وفعلا عندما أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التوجيهات بمتابعة ورعاية مواطني المملكة في السودان، وردفت هذا التوجيه الذي أعلنته وزارة الخارجية ليس بإجلاء المواطنين السعوديين، فحسب بل لعدد من رعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان إلى المملكة، وهو الأمر الذي أرسل رسالة للعالم لاهتمام المملكة بالانسان السعودي أينما كان وفي نفس الوقت إعطاء الاهتمام للإنسان بشكل عام من منطلقات إنسانية مجسدة روح التسامح. هذه هي مواقف القيادة في المملكة وديدنها فهي استضافت كل العالقين السودانيين المعتمرين منذ بداية الأزمة. إنها قمة النجاحات التي تحققت في إجلاء الرعايا السعوديين من السودان في قصة تروى للأجيال، حيث اتسمت إدارة الأزمة المتعلقة بإجلاء الرعايا بالنهج التكاملي لمنظومة العمل الحكومي مع وزارة الدفاع والقطاعات الأمنية ونقل جميع الرعايا الذين وصلوا إلى جدة بعد إجلائهم من السودان إلى الفنادق المخصصة لهم، ولا يمكن أن يمر موقف عالمي أو حدث كبير دون أن يكون للسعودية وقفة إنسانية لأنها جعلت هدفها الإنسان أولاً. وعكس إجلاء السعودية للمواطنين ورعايا 12 دولة من المواجهات المسلحة التي تشهدها السودان الشقيقة،، واستجابة المملكة للطلبات المقدمة من الدول الشقيقة والصديقة لإجلاء رعاياها في السودان، التأكيد على دور المملكة المؤثر بوصفها شريكاً موثوقاً به للمجتمع الدولي، وانطلاقاً من واجبها تجاه مواطنيها في جميع دول العالم. وتحمل عملية الإجلاء التي نفذتها القوات البحرية الملكية السعودية بإسناد من مختلف أفرع القوات المسلحة واشتملت على تأمين خروج أجانب من عدة جنسيات بينهم دبلوماسيون ومسؤولون دوليون من الخرطوم إلى ميناء بورتسودان، الثقة العالمية التي وضعتها دول وقوى كبرى إقليمية ودولية في السعودية وفي قواتها المسلحة ورجالها المخلصين. ورغم الظروف غير المواتية جراء الأعمال العسكرية هناك، تم إجلاء كل المواطنين السعوديين من الخرطوم، واستطاعت البحرية السعودية أن تخرِج رعايا دول خليجية ودول أخرى بلغ عددهم ما يقارب 157 فرداً على مراحل عدة، وتيسّر لهؤلاء الرعايا كل ما يطلبونه خلال الإجلاء خصوصا المواطنين السعوديين وهم الان يقضون مع أهلهم وذويهم أيام عيد الفطر المبارك في أمن وأمان وفرحة وسعادة غامرة حيث كللت الجهود بالإجلاء في وقت قياسي. فبالأمس القريب نجحت المملكة في إدارة ملايين الحشود البشرية من القاصدين والمعتمرين الى الحرمين الشريفين وبالأمس البعيد نجحت في ادارة الكارثة الصحية المتمثلة بجائحة كورونا وسط منظومة متكاملة من الجهات الحكومية. إنها الخبرات التراكمية التي حصدت إشادات عالمية من خلال وضع الخطط الاستراتيجية لمعالجة الأزمات ووضع السيناريوهات للتعامل مع الطوارئ، وهذا ما شاهده العالم أول من أمس من إجلاء الرعايا السعوديين ورعايا عدد من الدول الشقيقة ولم تنسَ القيادة السعودية الجانب الإنساني، إذ كان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لفتة أبوية تجاه إجلاء الرعايا من هذه الدول من منطلق انساني بحت وهو ما يؤكد العمل الإنساني لهذه البلاد في جميع المواقف والأزمات، وقد قوبل توجيه خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد بالسعادة الغامرة إذ كان له الأثر الكبير في نفوس جميع المواطنين ونحن في أيام عيد الفطر المبارك وجاءت التوجيهات الكريمة بسرعة اجلاء المواطنين من السودان على ضوء الاحداث الجارية فالمواطن السعودي دائماً هو محور اهتمام الأمر الكريم يعكس سمو التعامل الأبوي للقيادة الرشيدة، ومفاهيم مبتكرة في إدارة الأزمات، وقدمت للعالم أنموذجاً في تعاملها مع تداعيات الموقف صحياً، واجتماعياً، واقتصادياً، متفرداً بقيمه الإنسانية فلم تفرق بين مواطن ووافد على ثراها، وإلى أبعد من ذلك امتدت جهود المملكة خارجياً لتساند الأسرة الدولية حمايةً لملايين البشر من خطر الجائحة. الخبر لم يكن مفاجئا بالنسبة لأهالي المواطنين وذلك بما عهدوه من حكومتنا الرشيدة بالوقوف مع أبنائها في أصعب الظروف، كون الوضع في السودان لم يعد بالآمن والقيادة لم تتردد في اتخاذ قرار الإجلاء في حينه وضربت أروع الأمثلة في التعامل مع الأزمات ولم تدخر جهدا في رعاية مواطنيها في الداخل والخارج، وهذا يجعل المواطنون يشعرون بالفخر والاعتزاز، وبالرغم من صعوبة الأمر في هذا الوقت الحرج، إلا أن ولاة أمرنا كعادتهم يتغلبون على الظروف لأجل سلامة كل مواطن سعودي الذي بعث السرور والطمأنينة لهم، وأهاليهم، وهذه المبادرة ليست بالغريبة على المملكة لمواطنيها كون الإنسان السعودي دائما هو الركيزة وصاحب الأهمية الأولى لديها. وتحرص القيادة الحكيمة على التأكيد دوما على رعاية المواطنين والوقوف إلى جانبهم في جميع الأحوال، واعتاد المواطن السعودي في الخارج على أن يجد دولته إلى جواره، في جميع الظروف، ويتجلى ذلك في الأزمات والكوارث الطبيعة، والمواقف الشاهدة على ذلك كثيرة، ولا يسع المجال لحصرها. وعندما نتأمل الواقع السياسي للسعودية سنكتشف سر قوة ذلك الواقع على مستوى النظام العالمي، من خلال عدة محاور، تنبع أولاً من قوة مجتمعها الداخلي، تلك القوة التي يتشكل نطاقها من خلال وحدة المواطنة، وسلامة الوعي وحمايته. وتعد المملكة اليوم نموذجًا مهمًا في العالم التي تتمتع بعناصر القوة الناعمة المتعددة، سواء في القوة الروحانية ممثلة في المكانة الإسلامية الرائدة كونها مهبط الوحي وبلد الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، فإليها يحج ويعتمر المسلمون من شتى بقاع الأرض، وهي بوصلة لمليار ونصف المليار مسلم يتجهون إلى الكعبة المشرفة.. وتمتّعت السعودية تاريخياً بدور قيادة العالم الإسلامي، بحكم احتضانها للحرمين وخدمتها للحجاج والقاصدين بالتوازي مع تبنيها للخطاب الديني الوسطي، وتكريس قيم الاعتدال والتسامح. وتقود المملكة العربية السعودية جهود إحلال السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وتكرس جهودها للجم الإرهاب، وتجسيد ثقافة الوسطية والاعتدال، وإرساء الأمن والسلم العالميين بامتياز، وفي الوقت نفسه تدير أزمات المنطقة باقتدار، عبر سياسية الحزم للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية وتعزيز المنظومة الأمنية الخليجية. ودأبت قيادة المملكة على تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية إلى مختلف دول العالم التي تعاني من أزمات إنسانية أو كوارث طبيعية، وفقاً لمنصة المساعدات السعودية الرسمية، ولا شك أن هذه المساعدات الإنسانية تساهم في تعزيز صورتها الإيجابية عالمياً، وتقدّم صورة حقيقية عن القيم السعودية المبنية على الدين الإسلامي الذي يحثّ على إغاثة الملهوف وإعانة المحتاجين، كما أنها تساهم في تعزيز العمل على إرساء دعائم السلام والاستقرار في المنطقة، وكل ذلك في مجمله يشكّل دافعاً عند الآخرين نحو التعاون مع المملكة في شتى القضايا الدولية المختلفة. وتمضي الحكومة في إدارة فن الأزمات بسلاسة ووعي بمصالح الدولة الإستراتيجية، واضعة في اعتبارها تنوع إستراتيجياتها، واستندت المملكة في إستراتيجية مواجهة الازمات، إلى خبراتها المتراكمة على مدى عقود في التعامل مع الأوبة والحشود البشرية خلال مواسم الحج والعمرة خاصة في شؤون التنظيم والرعاية الصحية، إلى جانب البنية التحتية المتقدمة للقطاع الصحي، الذي يوفر رعاية طبية وخدمات علاجية متكاملة. وكانت السعودية ولا تزال الحلقة الأقوى لرعاية السلام في الشرق الأوسط من خلال ما تقدمه من مبادرات وبما تتسم به من محبة عند الشعبين العربي والإسلامي وثقة واحترام عند السياسة الدولية، ونزاهة مواقفها السياسية، وإستراتيجية الحياد التي سنتها لمنهجها السياسي وابتعادها عن لعبة التكتلات باعتبارها الأيقونة والبوصلة الاقتصادية للسعودية للانتقال إلى مرحلة ما بعد الاعتماد على النفط، فضلاعن دعم المجهود الأمني والعسكري في الداخل، وصولاً إلى تحقيق الهدف المنشود في مواجهة التحديات والأزمات. يومًا بعد يوم تؤكد السياسة المتوازنة والحكيمة للمملكة العربية السعودية وحسن حساباتها الدقيقة أهمية ومحورية وقوة في أوراقها السياسية والدبلوماسية، والاقتصادية، والأمنية، والإنسانية، وعلي الجانب السياسي تحركت المملكة لتحقيق السلام كونها قيادة قرأت المشهد وقررت تصفير الأزمات، وهذا يدل على الإدارة الواعية التي استشرفت كل ما يحدث على الساحة الدولية، وقيادة المملكة تقف دائما مع الأشقاء والأصدقاء وتحرص على حياة الإنسان والاستقرار والسلم العالمي. تتحرك الدبلوماسية السعودية التفاعلية بشكل مؤثر وفعال باتجاه تصفير فوضى الأزمات والصراعات التي سببتها المعايير العالمية المزدوجة التي جعلت من المنطقة العربية ساحة لتصفيات القوى العالمية وبازار لبيع الأسلحة والاقتتال. وتبنت المملكة نموذجاً سياسياً بحلحلة الأزمات وعدم توسيع دوائرها فضلاً عن التعامل وفق المصالح الاستراتيجية الأمنية العربية والإسلامية، وترتيب البيت العربي والإسلامي من الداخل على أسس مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، خصوصاً أن المملكة منذ تأسيسها اعتمدت على تعزيز العمل العربي والاسلامي المشترك ومبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذا المبدأ ما زال سارياً وسيظل في سياستها الخارجية، وسيظل من ثوابت المملكة. ولن ينسى التاريخ مواقف خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الإنسانية والأبوية، إذ يسعون دائما في خدمة المواطن السعودي داخل وخارج البلاد، بالإضافة إلى خدمة جميع المقيمين في أرض الوطن الغالي ولا ريب فخدمة الإنسان تشكل أولوية دائمة لدى حكومتنا الرشيدة، فقرار العودة للمواطنين خارج أرض الوطن فيه لمسة أبوية نثرت في قلوب الرعايا السرور.. لقد قالها الأمير محمد بن سلمان: إن المواطن السعودي أعظم شيء تملكه السعودية.