يهل علينا -بعد يومين من الآن- عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا وعليكم وعلى الشعوب العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، وحيث إن للثقافة الشعبية دورها في رسم الهوية الوطنية للدول وهي شكل من الأشكال التعبيرية المنطوقة والتي تختزنها الذاكرة الشعبية، وتساهم بتشكيل الثقافة الإنسانية ككل، يتم حفظها بشكل شعوري أو غير شعوري لتتجسد في كل من المعتقدات والعادات والممارسات الحياتية، فإنها لا تغيب عن تراث الأمة التي تشكل واحداً من عناصر الثقافة الشعبية ويدخل في ذلك مشهد الأعياد والمناسبات في المملكة العربية السعودية، الذي سنسلط الضوء عليه في هذا التقرير. فلو عدنا لتعريف التراث الذي يتمثل في: "ما ورثَته الأجيال السالفة للأجيال الحالية من العادات والتقاليد والآداب والقيم والمعارف الشعبية والثقافية والمادية" والذي يشتمل أيضاً على التراث الشعبي متضمناً القصص والأساطير والأشعار والألعاب والأغاني والأمثال الشعبية واحتفالات الأعياد والرقص والفنون والحرف. نجد أن للتراث الشعبي السعودي في الأعياد حضوره الخاص الذي تمتزج فيه الأصالة بالحداثة، حيث يعد التراث إحدى ركائز الهوية الوطنية فهو الوعاء الذي تستمد منه عقيدتها وتقاليدها وقيمها الأصيلة ولغتها وأفكارها. وللمملكة تاريخها العريق وتراثها الأصيل الذي يتوارثه الأبناء جيلاً بعد جيل، بما فيها من عادات وتقاليد وأغانٍ وأمثال شعبية ومأكولات متنوعة ولباس تقليدي مميز وقهوة عربية سعودية عريقة. البداية من القهوة السعودية التي يفوح عبقها في المنازل ولها مذاقها الخاص بطابع أصيل ولها عادات وتقاليد في طرق الإعداد والتقديم حيث تُسْكَب باليد اليسرى، ويُقَدَم الفنجان باليد اليمنى، ويجب عدم ملء الفنجان بأكثر من نصفه، وذلك يعني تقديم القهوة في ثلث الفنجان، والتي أصبح لها يومها الذي يتم الاحتفاء فيه بالقهوة بها كميزة عرف بها مجتمعنا السعودي. القهوة السعودية نمط وطابع تراثي عريق، ارتبط بمجالس الرجال، وكذلك مجالس النساء أثناء استقبال ضيوفهم في منازلهم، أو حتى في كافة المناسبات من أعياد واحتفالات أفراح أو أتراح، وفي كافة الظروف التي تكون فيه القهوة حاضرة في المشهد عند استقبال الضيوف وهي العادة السعودية التي عرفت منذ تاريخ الدولة السعودية الأولى أي من أكثر من 300 عام من الآن. ومن العلامات الخاصة التي قد لا يعرفها غير السعوديين أثناء شرب القهوة هو هز فنجان القهوة وهو إشارة من الضيف إلى الاكتفاء من شربها، وإن لم يهز الضيف الفنجان فسيستمر المضيف بصب القهوة له، وعلى المسؤول عن صب القهوة الاستمرار في الوقوف وهو حامل "دلة القهوة" ليستمر في صبها للضيوف حتى الاكتفاء من شربها. ويتم فتح المنازل أثناء الأعياد لاستقبال زيارات الأهل والأقارب والأصدقاء المحملة بالمعايدات والتهاني كخطوة لتبادل المحبة والمشاركة في طقوس العيد وتفاصيله. وما زالت تحرص الكثير من العائلات على مشاركة الأطفال صلاة العيد بارتداء الزي التقليدي السعودي قبل ارتداء ملابس العيد الجديدة التي تدخل الفرح والبهجة لقلوبهم، وبذلك تسعى العائلات إلى المحافظة على التراث ونقله من جيل إلى آخر بالالتزام بهذه العادات القيمة. وارتبطت عادة رسم الحناء لدى النساء بالأعياد والمناسبات، كعادة شهيرة تحتفظ بها المملكة حتى الآن، وهي واحد من أشكال الزينة النسائية استعداداً لاستقبال العيد، وتتميز برسومات فنية زخرفية مستوحاة من البيئة والمكان، حيث تجتمع السيدات والجارات والأقارب ليلة العيد في منزل واحد لتقوم إحداهن برسم الحناء للبنات والنساء، أو يتم الاستعانة بمتخصصة في النقش تسمى "النقاشة". وللمأكولات الشعبية حضور مميز في المملكة أثناء الأعياد، حيث يحافظ أبناؤها على تقديم موائد متنوعة الأصناف من المأكولات والحلويات التي تشتهر بها "كل منطقة من مناطق المملكة" حيث تختلف من منطقة لأخرى، كتقليد متوارث يبشر بقدوم العيد والابتهاج به. ففي وسط المملكة تشرع السعوديات بطهي الجريش والمرقوق والمطازيز وقرص عقيل وغيرها من الأكلات الشعبية المختلفة، وفي عسير يحصد "السويق والمغموعة والمفحس" النصيب الأكبر في موائد العيد التي تتفنن السيدات السعوديات في تحضيرها، أما في مكةالمكرمة فيتم إعداد "المعصوب والمطبق والسليق والمبشور" التي تزين موائد العائلات احتفالاً بالعيد. ومع هذه الصور من الثقافة الشعبية في المملكة يكتمل مشهد الاحتفالات والاستعدادات لاستقبال العيد، وسط عادات وتقاليد تعد جزءاً مهماً من حياة الناس. القهوة السعودية رمز الحفاوة والكرم