الرئاسة الفلسطينية تدين المجزرة الإسرائيلية في طولكرم    وزير المالية: نفذنا إصلاحات مالية في ظل رؤية 2030    تفاؤل عالمي بقوة الاقتصاد السعودي    هل قتلت هاشم صفي الدين؟.. غارات إسرائيلية تستهدف ضاحية بيروت    اعتزال ال «30»    نائب وزير الخارجية يشارك في مراسم تنصيب رئيسة المكسيك    لماذا تحترق الأسواق؟    «الكارديغان الطويل».. موضة خريف - شتاء 2025/2024    أنجلينا جولي تثير شائعة ارتباطها بمصطفى أكالا    6 لوحات من أشهر منعطفات الفن.. «قصص عميقة»    أحلام على قارعة الطريق!    «زلزال الضاحية».. ومصير حزب الله    الفيحاء يقتنص تعادلاً ثميناً من الوحدة في دوري روشن للمحترفين    «بالون دور».. سباق بدون ميسي ورونالدو للمرة الأولى منذ 2003    دوري يلو.. فرصة للنجوم لمواصلة العطاء    الزمالك نجم السوبر الأفريقي    "الغطاء النباتي": 500 جهاز إلكتروني لقراءة شرائح الماشية    في ظلال المجلس    لماذا نجح الضفدع؟    رنين الماضي في سوق الزل    الشاهي للنساء!    غريبٌ.. كأنّي أنا..!    ذكورية النقد وأنثوية الحكاية.. جدل قديم يتجدّد    حديقة الملك سلمان.. وجهة استثنائية    درجات أم دركات معرفية؟    معالي وزير العدل    المعلم.. تنمية الوطن    اختتام مشاركة الهلال الأحمر في المعرض التفاعلي الأول للتصلب    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    المرور: حادث اصطدام شاحنة بمركبة في الرياض تمت مباشرته في حينه «منذ عام»    أمانة الطائف توقع عقد إنشاء مشروع (قبة الفراشات) بمساحة ٣٣ ألف م٢    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    ما الفائدة من غزة ثانية وثالثة؟    المقاولات وعقود من الباطن    جويدو.. وجمهور النصر!    أخضر الأولمبياد الخاص للشراع يشارك في المسابقة الإقليمية بدبي    كتب الأندية الأدبية تفتقر إلى الرواج لضعف التسويق    محافظ الطائف يلتقي مدير جمعية الثقافة والفنون    90 مبادرة لأمانة الطائف تعزز الوعي البيئي وتدعم الاستدامة الخضراء    2238 مصابا بالناعور في 2023    تعيين عدد من الأئمة في الحرمين الشريفين    أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في المملكة يتمم الدورية رقم 5 آلاف في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    أمير الشرقية يطلع على مستجدات أعمال فرع وزارة الشئون الإسلامية ويستقبل منسوبي "إخاء"    بدء الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين لبحث التحرك العربي للتضامن مع لبنان    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    القهوة تقي من أمراض القلب والسكري    تثمين المواقع    لماذا لا تبكي؟    وداعاً يا أم فهد / وأعني بها زوجتي الغالية    مملكة العز والإباء في عامها الرابع والتسعين    زوجة القاضي في ذمة الله    شركة أمريكية تدعم أبحاث طبيب سعودي    نملة تأكل صغارها لحماية نفسها من المرض    نائب أمير المدينة يقدم واجب العزاء لأسرة شهيد الواجب الجهني    مفتي عام المملكة يستقبل مفوّض الإفتاء بمنطقة جازان    الحياة الزوجية.. بناء أسرة وجودة وحياة    أمير مكة المكرمة ونائبه يعزيان أسرتي الشهيدين في حريق سوق جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القهوة العربية في يومها العالمي
نشر في الرياض يوم 13 - 10 - 2022

وللقهوة طقوس ورموز. فالدلة كانت ولاتزال من علامات المجلس العربي، وهي تُصنع قديماً من معدن الرسلان، وهو أغلى أنواع النحاس تقريباً، ولها أشكال متعددة متفاوتة الأحجام، ولقد كان العرب يستخدمون الدلال كبيرة الحجم لملئها بالقهوة والمياه الساخنة وتستخدم لغلي القهوة...
جاسم رجل الأعمال الثري والقادم من الريف، يملأ قصره الخدم، ويستقدم كل ماهو تكنولوجي لإدارة كل شيء في قصره، حتى إنه استغنى عن دلة القهوة واستقدم آلة تصنع القهوة والتي لا يفقه في برمجتها سوى العامل الأجنبي الذي يدَّعي في يوم من الأيام عدم قدرته على تشغيلها لسبب في نفسه! مما يصيب أهل البيت بالصداع واضطراب المزاج!
هذه هي أزمة النص المسرحي (فنجان قهوة) والذي كتبته عام 1994، لمعالجة حتمية التقدم التكنولوجي وفهم أسراره مع الحفاظ على الإرث العربي.
وفي هذا الأيام تحتفل وزارة الثقافة في المملكة بيوم القهوة تماشيا مع اليوم العالمي للقهوة والاحتفال بها. فللقهوة شأن كبير لدى العربي، فهي المشروب المقدّم والمفضّل في أمور الضيافة، وخصوصاً القهوة الممزوجة بالهيل- وكثرة الهيل دليل الكرم – وهذا بخلاف مشروب الشاي، فعادة شرب الشاي جاءت متأخرة، إذ كان العرب لا يعرفون من أمور الشاي شيئاً؛ فشرب القهوة ليس لتحسين المزاج فحسب، وإنما لما لها من التقاليد و(بروتوكولات) التي تتمثل في شفرات تداولها بينهم في مجالسهم.
فتصب القهوة (بضع قطرات) وتقدّم عدّة مرات، تكرّر إلى أن يهز الضيف يده، إعلاناً بالاكتفاء من شرب القهوة، وتجري العادة أن يُصب الفنجان الأول لصاحب البيت قبل الضيف.. وإذا كان هناك خادم يقوم بعملية الصّب، فعليه أن يتناول هو الفنجان الأول، وذلك إيذاناً بافتتاح جلسة القهوة.. وأيضاً تأكيداً منه أن القهوة لاعيب فيها من حرق أو نقص في حب الهال أو الزعفران، كما أن هذه العادة ترجع إلى عوائد قديمة، وهي (عوائد الاغتيال) حيث تتم عملية الاغتيال، بوضع السُّم للضيف في القهوة.. ولذلك فالمضيف يشرب أولاً حتى يطمئن الضيف.
فالعربي معروف باحترام الضيف ومراعاته وحمايته والدفاع عنه.. ولذا كان لزام أن يتم تناول القهوة أولاً قبل الضيف.. على العكس في بعض العادات والتقاليد الأخرى.. حيث يتم مناولة الضيف أولاً ثم المضيف.
وللقهوة مفاهيم عديدة يعرفها العرب، فالحروب تندلع بسكب القهوة على الأرض، ويعم السلام بينهم بشرب فنجان القهوة، كما أن شيخ القبيلة ينثر الفنجان على الأرض حينما يسمع بموت شيخ من الشيوخ أو أي إنسان عزيز على قلبه، وتُطفأ النار وتنكس الدلال لإعلان أيام الحزن.
وللقهوة أعراف لا يتخطاها الصغير أو الكبير، وإن تخطاها أحد كان نكالاً على من يتخطى العرف والمفهوم، ومنها:
* أن يقدم الفنجان باليد اليمنى والدلة في اليد اليسرى، فإذا قدم الصَّبَاب الفنجان للضيف باليد اليسرى كان ذلك علامة على الاستهزاء به واحتقاره «وكان لشربها عمل رسمي لا يجوز التهاون فيه».
* أن يقدمها وهو واقف. وللقهوة أربعة فناجين (فنجان الهيف، فنجان الكيف، فنجان الضيف، فنجان السيف):
فنجان الهيف: وهو أول فنجان يخرج من عنق الدلة يتناوله المضيف لكي يطمئن الضيف أن لا نقص فيه.
فنجان الضيف: يصب الفنجان للضيف ليشربه على اعتبار أنه ضيافة، كما أنه بمثابة العيش والملح (الممالحة).
فنجان الكيف: وهو تكرار فنجان آخر لتعديل مزاجه.
فنجان السيف: وهذا هو بمثابة عقد اتفاق غير مبرم بين الضيف والمضيف بأن يذود عنه والتحالف معه. وعلى الضيف حينها قبوله أو رفضه. وقد يقدم فنجان السيف لعدد من الشيوخ لعقد التحالف.
* أن يقدم الفنجان الأول لشيخ القبيلة، فإن لم يوجد فالفرسان أو أعلى منزلة أو أكبر سناً، ثم يليه من بعده في الترتيب الاجتماعي.
* إذا كان بالمجلس ثلاثة شيوخ كان لزاماً على المضيف أن يحضر ثلاثة رجال لصب القهوة في الوقت نفسه، ولذلك فقانون القهوة ينص على أن «القهوة خص خص، والشاي قص قص»، أي أن تقديم القهوة اختيار وتقديم الشاي قص، أي يبدأ من اليمين إلى الشمال دون تلك المراعاة.
وللقهوة طقوس ورموز. فالدلة كانت ولاتزال من علامات المجلس العربي، وهي تُصنع قديماً من معدن الرسلان، وهو أغلى أنواع النحاس تقريباً، ولها أشكال متعددة متفاوتة الأحجام، ولقد كان العرب يستخدمون الدلال كبيرة الحجم لملئها بالقهوة والمياه الساخنة وتستخدم لغلي القهوة وهناك الدلة للتبهير «وهو إضافة الهيل» أو حب الهال إلى القهوة استعداداً لصبها للضيوف. ودلال الغلي تظل بجوار النار باستمرار طيلة اليوم والليل، كما جرت العادة بأن لا تُطفأ النار، فعندما تذكر مساوئ الرجل يقال إنه (طافئ النار) وحينما يمتدح يقال: (فلان لا تنطفئ له نار) إمعانا في مداومة الضيافة وصب القهوة في مجلسه، وكناية عن استمرار شعلة النار بمدلولها الواضح عن الرجل المضياف والمنزل العامر.
فيقول الشاعر في دلة القهوة:
الدلة اللي غيثها بالفناجيل
تشوقني شوق الظنين لظنينه
فنجانها لا ساق وبهارها الهيل
شرَّابها يعزم عزوم»ن» ضمينه
وكما أسلفنا، فالقهوة تلعب دورا كبيرا في حياة العربي الأصيل، ولها قوانينها ودساتيرها غير المكتوبة. وكان شربها عملاً رسمياً لا يجوز التهاون فيه. فالعربي عندما يعلن الحرب يدفق القهوة على الأرض كما أسلفنا، وإن أراد السلام يشربها، كما إنه من العادات المستقاة أن شيخ القبيلة إذا سمع بموت شيخ من الشيوخ أو عزيز عليه فإنه يدفق القهوة على الأرض ثم يطفئ النار وينكس الدلال، وكأنه تنكيس الأعلام في علوم الدبلوماسية العالمية، ولهذا كان يقوم تنكيس الدلال حينها دلالة تنكيس الأعلام لدى الدول المعاصرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.