في ذكرى وفاة من نحب وخصوصاً في ذكرى وفاة أحد الوالدين، نعجز عن التعبير وتُمحى الحروف من ألسنتنا، وتضيع الكلمات؛ بل وتقف الأنامل عاجزة عن كتابة ما نحس به. في مثل هذا اليوم قبل خمسة أعوام توفي والدي رحمة الله تغشاه، والدي الذي كان قلباً ينبض في صدري، كان لي سنداً وعضداً، كان لي حياة سعيدة ومباركة. في مثل هذا اليوم رحل من كان يعطي لحياتي كل المعاني وأجملها.. في مثل هذا اليوم فقدت طعم السعادة.. في مثل هذا اليوم كُسر قلبي ولم يجبر.. في مثل هذا اليوم فقدت قلباً من المستحيل نسيانه، رحل فكان رحيله أكثر الأشياء وجعاً لي. حين أتكلم عن والدي فأنا أتكلم عن عالم، عن حياة، عن جنة، عن وطن كبير، عن حب لا يموت أبداً.. ذكرى وفاة والدي تاريخ اقترن بالذاكرة؛ اُنتزعت فيه قطعة من قلوبنا، مرّت سنوات على وفاته، مضت وكأننا افتقدناه بالأمس، سيظل عزاؤنا فيه عمراً حتى نلتقي به في أعلى الجنان.. ما دمتُ حَيًّا لستُ أنسى عندما أقصاكَ ليلُ القبرِ عن أحضاني إنْ كنتُ لا أقوى لِبُعدِكَ ليلةً كيف السبيلُ لِمُقبِلِ الأزمانِ خمسة أعوام مرت على وفاة أبي؛ ومازلت أتذكر تلك الرجفة التي هزّت قاع قلبي حين قبّلت جبينه، لا ألمَ يضاهي ألمَ فقده، ولا ذكرى أبشع من ذكرى رحيله، ولا حزن يفوق حزن وفاته.. غاب أبي وغاب معه زمن جميل لن يعود.. فبعد مرور هذه الأعوام على وفاة أبي أيقنت أن الفواجع تبقى كما هي ولو مرّ عليها دهر، وأن الحزن على الراحلين لا يموت، فذكرى الرحيل تتجدد مع تاريخ الوفاة.. اللهم إني لا أعترض على حكمك لكن الشوقَ غلبني، فاللهم ارحم والدي بقدر شوقنا وحنيننا إليه.. نمْ وادعًا يا أبي.. سنعيش على ذكراك.. فقد تركت فينا همة باقية، وعملاً في سبيل الخير، وسلوكًا على طريق الفضيلة والهدى بعون الله.. في هذه الذكرى لا يسعني إلا أن أرفع يديّ إلى الله العلي القدير وأسأله أن يتغمدك بواسع رحمته وغفرانه وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة.. بجوارِ قَبرِكَ يا أبي كُلُّ القبور تآنست بالخير والإحسانِ أمّا المنازلُ يا أبي فتَحَوَّلَتْ قبرًا بِفَقدِك عَاليَ الجُدرانِ هُوَ ذا فُؤادي قبرُ روحِك يا أبي وَدَعِ الترابَ يَلُفُّ بالجُثمانِ فالجسمُ يبَلى والخلودُ لِرُوحِ مَنْ رَبَّى بِروحي بَذرةَ الإيمانِ برّوا آباءكم واستغنموا وجودهم في الحياة فوالله إن فقدانهم موجع أكثر مما تتصورون.. اللهم ارحم أبي بقدر ما تمنيت له البقاء وأكثر.. وليجبر الله كسر قلبي كلما اشتقت إليه.. مازلتُ يا أبتي أصارع حسرتي وأسدّ ساقية الدموع أهوى رجوعك يا أبي الغالي ولكنْ.. لا رجوع.. والدي؛ لي في غيابك قصة وجع لا تنتهي، رحمك الله..