إن المسلم لا يملك عندما تحل به مصيبة الموت إلا أن يقول (إنا الله وإنا إليه راجعون) اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها. كانت وفاة الوالدة رحمها الله يوم الاثنين الموافق 12/ 1443/3 ليلة تجمع كل قساوة الحياة ومرارتها, ليلة لا يمكن نسيانها مهما مرت الأيام وتوالت الأعوام، وكنت أنتظر خبر خروجها من المستشفى، وكسرني خبر وفاتها المؤلم -رحمها الله- اللهم اجعل ما أصاب أمي من ألم المرض والفزع تكفيراً وتطهيراً لها، والله يعلم أن خلف جدران هذا المنزل قلوباً منكسرة أعياها ألم الفقدان والحزن وتتمزق ألماً واشتياقاً لوالدتي وأن غيابها لم يكن سهلاً وجرحاً لن تطيب جراحه أبداً. ومشهد خروج أمي من المستشفى للمقبرة لازال يؤلمني ومن الصعب نسيانه وسيبقى محفوراً ما بين ضلوعي وطيفاً يتردد صداه في مسامعي وحدثاً سيخلد بذاكرتي، ومع كل خبر وفاة أتذكر فاجعه رحيل أمي وأتذكر ذلك اليوم بكل تفاصيله المؤلمة (قبرها وجنازتها ملفوفة بعباتها المليئة برائحة أمي العطرة وعذوبة أطياب أشيائها تنتابني مشاعر البكاء حينما أشاهد سجادتها في مكان صلاتها ومصحفها وبقايا علاجاته من أدوية ومواعيد للمستشفى عانت -رحمها الله- من سطوه المرض، ولم تتألم أمامنا تخفي أوجاعها عنا وتظهر ابتسامتها المعهود بروح صابرة ومؤمنة على قضاء الله كانت لا تتوقف عن الدعاء والاستغفار راضية مسلّمة أمرها لخالقها. اللهم إني اشتقت إليها كثيراً فلا بيني وبينها سوى الدعاء وأسألك يا الله أن تجمعني بها في الفردوس الأعلى اللهم ارحم أمي وأغفر لها واجعل قبرها روضة من رياض الجنة هي لم تمت هي بالقلب والوجدان والنفس أحبها الله فاختارها والسماء اشتاقت لها فرفعها الله إليه اللهم لا تجعل دموعي تؤذي فقيدتي الغالية أمي فليست إلا تخفيفاً عما بقلبي تجاهها، والمؤلم في فقدان الأم أشبه بالوقوع بحفرة مظلمة وشعور الخوف حينها أن تنظر للأعلى ولا ترى سقفاً يؤويك ولا عصاة تسندك ولا يداً تمسح على رأسك لم يرهقني الفقد كما أرهقني حين هاتفني أخي الأكبر فهد ويقول الوالده أعطتك عمرها وتوفاها الله للأمانة تنتابك مشاعر متسارعة وحزن لا يحتمل وفراغ لا يعوض وأحاسيس تجعلك في وضع نفسي سيئ وأفكار تأخذك هنا وهناك في صورة مضطربة ليأتي الوجع الأكبر حينما تودع أمك وتلقى عليها النظرة الأخيرة وهي بالكفن منظر لا تستطيع الكلمات أن تعبر عنه لحظة مشاهدة ملامح من أنجبتك وهي ساكنة آمنة مغمضة العينين ووجهها الطاهر في مشهد غاية بالوجع والفقدان ورحيل أمي علمني: أن الأرواح الجميلة فقط هي من تستحق الذكرى والدعاء فلا رحيل يؤلم كرحيل أمي رحمها الله وسيبقى ذلك اليوم هو الأصعب في حياتي فقدت نصف روحي فقدت قطعة من قلبي وقلباً حنوناً وطيباً من المستحيل نسيانه ورحلت أمي فكان رحيلها أكثر الأشياء وجعاً لي، أمي رحمك الله وغفر الله لك وعوضني بلقائك في جنة عرضها السموات والأرض واللهم ارحم أمي عدد ما صلى عبادك وعدد ما رفعت الأيادي لدعائك ورجائك اللهم اغفر لها واجعل مرضها الذي تألمت منه وصبرت عليه وماتت به كفارة لها، وارفع درجاتها عندك بالجنة واربط على قلبي حين أتذكرها وزدني ثباتاً حين اشتاق إليها ونوّر قبرها بنورك وبراداً يريحها وذكراً لا ينقطع عنها وسلاماً على قلبك وجسدك الطاهر والذي امتلأ بطهر الأرض وغاب. وصيتي.. قبّلوا رؤوس أمهاتكم يومياً بالنيابة عن كل من كان آخر عهده بأمه قبلة على جبين أمهاتكم وكونوا عوناً وسنداً وحسن رعاية ومعاملة فالأم لاتعوض وفقدانها ألم سيبقى عالقاً في الذاكرة ما بقي الإنسان في حياته رحم الله أمي رحمة واسعة وإنا لله وإنا إليه راجعون.