الفن من أكثر الوسائل والأدوات قُدرة على تحريك العواطف النبيلة والطيبة، كما يلعب دوراً حاسماً في تعزيز القيم وترسيخ الهوية الوطنية؛ فهو من أمضى الأسلحة التي تستطيع التأثير والتأليف بين قلوب ومشاعر الأفراد والمجتمعات. ويشكّل المسرح عموماً والغنائي خصوصاً أحد أبرز ملامح هذه القوة التأثيرية؛ بحكم قدرته على جمع القلوب بين الجمهور، وخلق علاقة وجدانية مع الأفكار والقيم والرسائل التي يتم شحنها في العمل المسرحي خصوصاً إذا برع الفريق القائم على العمل في دقّة البناء الدرامي للمسرحية، وامتلك النص أصالة التعبير عن الفكرة الناظمة للعمل، وتوظيف أدوات العمل من نص ومغنّين وممثلين وإخراج وديكور وخلافه.. بما يجلي الفكرة، ويخدم موضوع العمل، ويساهم في نجاح تأثيره على المتلقي. وبعيداً عن تاريخ المسرح محلياً أو عربياً، وما اكتنفه من تراوح بين صعود وهبوط، وما اعتراه من معوّقات، أو ما طاله من ضعف لهشاشة تكوينه، أو حتى اعتماده على اجتهادات فردية من موهوبين لكن ينقصهم التأهيل، أو غياب لمُمكّنات المسرح بأشكاله كافة، ما جعل المسرح يراوح في مكانه بل إنه بات مهدداً بمزيد من الضعف والهشاشة، ورغم كل هذا إلا أن المسرح بات ضرورة، وأداة ناجعة لملامسة اهتمامات المجتمع وقضاياه المختلفة؛ باعتبار المسرح أداة تثقيفية وتنويرية مهمة، وهو ما جعله أبا الفنون فعلاً. في رأي مهم وفطن لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب يقول مؤكداً على أهمية المسرح في إبراز جهود وإنجازات الدولة: "إن الدولة في كل هذه التطورات، هي التي تتحمّل العبء المادي الأكبر، وهي صاحبة النصيب الرئيس في دفع العجلة إلى الأمام، ونحن الفنانين نريد أن يرتفع فنّنا إلى مستوى المعركة". بالفعل هي معركة وأحد أسلحتها الفن؛ فما بالنا ووطننا العظيم حقق من الأمجاد والإنجازات والقوة والاستقرار ورغد الحياة ما يجعلنا نتفوّق على أهم دول العالم التي سبقتنا صناعة وتطوراً وتحديثاً؟ كثيرة -إن لم تكن كل أمجادنا- لم تُروَ للعالم كما هو خليق بها؛ بل إننا في حُكم المقصّرين، مثقفين وكُتّاباً وفنانين ومسرحيين؛ فرواية أمجادنا ما زالت بحاجة للصدح بها والتغنّي بفخر واعتزاز. اليوم قدحت المسرحية الشعرية الغنائية "معلّقاتنا.. امتداد أمجادنا" جذوة الأمل من جديد؛ بل إنها قدّمت عملاً استثنائياً بارعاً متفوّقاً في بنائه ومعالجته الدرامية، ودقّة بنائه وصقله، وأصالة تعبيره، ورواية جانب من أمجادنا وحضارتنا العريقة الضاربة في الأصالة والتفرّد. قدمت هذه المسرحية رسالة مهمة، وهي أنّ بلادنا بعظمتها واتساعها وكنوزها المخبوءة مازالت مجهولة عند الكثير، لكنها تملك من الغَناء والثراء الحضاري والثقافي، وكذلك المواهب المذهلة والعقول المبدعة الكثير الكثير؛ فالمسرحية -بغناها وثرائها الوفير- أثبتت أن وطننا خلاّق، وكنوزه عظيمة فكراً وإنساناً. فتحية تقدير وامتنان لصاحب الفكرة المدهشة الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد الذي وقف على كل تفاصيل العمل فضلاً عن مساهمته الشعرية والإبداعية، ويمتد التقدير لمن صاغ القصائد، ومن صاغ الألحان البديعة للمعلقات، وللممثلين والمغنين من الجنسين ممن أظهروا أداءاً مُبهراً يعكس مواهب نادرة وساطعة في سماء الإبداع.