دعونا نتحدث بصدق فأمانة الرياض نجحت ألف مرة في جعل العيد في العاصمة أكثر بهجة، فالنجاح هو ما يلمسه الناس على شكل مشاريع على أرض الواقع، والنجاح هو ما نراه لا ما نسمع به ونقرأه. مسرحيات الأمانة التي عرضت في الأيام الثلاثة الأولى من عيد الفطر المبارك كانت من شواهد نجاح الأمانة، ولقد أسعدني الحظ بحضور اثنتين منها، وللأمانة فإننا نقول لأمانة العاصمة ما قصرتوا عملتوا ما عليكم وزيادة، ولكن هل نجحت هذه المسرحيات على مستوى التنظيم وعلى مستوى النصوص والسيناريو والديكور، هذا هو السؤال الأهم؟ كل ما شاهدت مسرحية سعودية حديثة أتساءل: هل أنا في مدرسة؟ بصدق لا تختلف المسرحيات الحالية عن مسرحيات المدارس، بدليل سطحية الطرح الدرامي، وسوء التنظيم والإدارة رغم الاجتهادات التي نراها من المنظمين. في إحدى هذه المسرحيات الأخيرة شاهدت المخرج المسرحي ينظم الحضور ويفاوضهم على المقاعد، فهل هذا دوره المتوقع في مثل هذه المسرحيات؟ دخلت هذه المسرحيات ولم أجد لوحة مكتوبة قبل بدء العرض عن عنوان المسرحية وأسماء الطاقم الفني والإداري والمؤلفين والمخرج، بل لم يعلن المذيع الداخلي عن البداية المعروفة في معظم المسارح الكبرى، ويكفي من سطحية التنظيم وجود ديكور ثابت طوال العرض، ولا توجد فصول للمسرحيات، بل إن أحد الممثلين بدأ المسرحية بقميص نوم وحيا الجمهور في ختام المسرحية بذات القميص الذي لم يخلعه طوال المسرحية، ياللدور العظيم! أما الجمهور فحدث ولا حرج، معظمهم يظن أنه أتى لحفلة لمحمد عبده وليس لمسرحية هادفة، ما إن جاءت فقرة لمغني مسرحي حتى تقافز الجميع وهات يا رقص، بل صرخ أكثرهم مطالبين بمزيد من الغناء، وبعد نهاية هذه الفقرة (الدخيلة على البناء الدرامي للمسرحية) غادر القاعة معظم المراهقين الذين عرفوا ببقية الأحداث على ما يبدو! إذا نظرنا بعين الحقيقة فالمسرح السعودي يتراجع بشكل مخيف، فنحن لم نبدأ حالياً من حيث انتهى أسلافنا المسرحيون، بل كأننا نبدأ من الصفر، أتذكر أنني حضرت عدة مسرحيات قديمة مثل للسعوديين فقط، وعودة حمود ومحيميد قبل حوالي عشرين عاماً مضت وأنتم تتذكرون معي أن المسرح كان أكثر رقياً واحتراماً للمشاهد على الأقل مقارنة بمسرحنا اليوم. ما أشعر به حالياً أن إقامة المسرحيات في العيد أصبح هدفاً في حد ذاته دون النظر لمستوى المعروض أو تقييمه، وهذا خطأ لأننا نصنع ثقافة خاطئة لا تحترم المسرح ولا تحترم المشاهد، فالمفترض أن يتم العمل على هذه المسرحيات ويستعد لها الممثلون قبل عام على الأقل، فالمسرح من فوائده إيجاد فرص عمل للمواهب المدفونة التي تنتظر شمساً لا تتثاءب! فهؤلاء الكتاب المسرحيون والمخرجون والممثلون متنفسهم الوحيد المسرح، وما نصنعه حالياً هو خنق لهذه المواهب وصناعة جمهور من المراهقين لا يعرف ما هو المسرح. إذن ما هو الحل؟ من أجل مسرح راقٍ ومهم، يجب أولاً أن نحترم المشاهد السعودي بنصوص راقية وفكرة أرقى وعمل متكامل من حيث الديكور واللباس والموسيقى التصويرية والفصول وما إلى ذلك، ثانياً ونحن نرى هذا التعطش الشديد من قبل الجمهور فلماذا نقتصر عند عرض هذه المسرحيات على ثلاثة أيام فقط، لماذا لا تمدد حتى بداية الدراسة؟ ثمة أمر ثالث وهو أن العرض طالما كان مجانياً فمعنى ذلك حضور مزيد من العابثين والمراهقين، فوجود رسوم دخول أفضل من وجهة نظري رغم أن الكثير لا يعجبهم ذلك! بقي أن نقول إن حضور العائلة السعودية مهم في إضفاء جو من الاحترام على العروض المسرحية، فإذا كنا نحضر بصحبة العائلة في عروض السيرك والدلافين مع سباحين من مختلف البلاد وجمهور من الجنسين، فما الذي يمنع من حضور العائلات إلى المسرح؟ لماذا نخشى أشياء بلد الأمن والأمان لا نخشاها في البلاد المجاورة؟ إن المسرح ثقافة مهمة تصنع الأجيال، وتسهم في بناء المجتمعات، فإذا لم نعطه حقه لم يعطنا حقنا، أليس ذلك أيها المسرحيون؟ يا أمين العاصمة أرجوك أنقذ المسرح من الرق طالما أن الغواصين لا يريدون ذلك.