مع إنطلاق منتدى مبادرة السعودية الخضراء لا بد من الإشارة إلى أن صناعة البناء في الشرق الأوسط تشهد تحولًا نحو بناء أكثر استدامة كجزء من جهود أوسع لمواجهة درجات الغازات الهيدروكربونية المرتفعة، واللافت هنا هو أن هذه الصناعة باتت تشكل ثقلًا اقتصاديًا مع نمو حجمها عامًا بعد عام لتتخطي الحاجز الملياري. وفي منطقة الشرق الأوسط حيث تزدهر هذه الصناعة بات الجميع يعي خطورة الآثار المترتبة على الانبعاثات الكربونية، وتدرك المملكة بدورها الرائد ضرورة اتخاذ إجراءات فاعلة للحد من هذه الظاهرة من خلال تظافر الجهود الدولية لتقليل الانبعثات الكربونية. لقد تعهدت كل من المملكة العربية السعودية بالوصول إلى درجة الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وجاء ذلك مع السعي الجاد لجعل صناعة البناء أكثر استدامة ومراعاةً للبيئة من خلال التركيز على الطاقة المتجددة وهو ما أكده سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز من سعي المملكة لتنويع مزيج الطاقة المستخدم في توليد الكهرباء في المملكة، ليتم إنتاج 50% من الكهرباء داخل المملكة بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 مع الحرص على خفض الانبعاثات بأكثر من 278 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بحلول 2030 وهو عمل مزدوج من خلال تنويع مصادر الطاقة المتجددة وخفض الانبعثات الكربونية. وحتى ندرك مدى تأثير صناعة البناء وإسهامها في زيادة الانبعاثات الكربونية، فيكفي أن نقول بأنها تشكل ما يقارب ال 40% من مجموع الانبعاثات على مستوى العالم، وفي ذات الوقت فإن الإنتاج السنوي من الأسمنت وحده يقدر بأكثر من 4 مليار طن، وكما أشارت دراسات المركز الفكري البيئي الأقليمي إيكومينا (EcoMENA) أن نمط البناء في منطقة الشرق الأوسط أصبح اليوم يركز على تطبيق نماذج الهندسة المعمارية الصديقة للبيئة، وممارسات البناء المستدامة، مع ظهور تصاميم المباني الخضراء كأولوية قصوى في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك احتل الابتكار في تقنيات البناء مؤخرًا مكانة عالية على جدول أعمال المختصين، حيث وضعت المملكة العربية السعودية هدفاً لبناء 1.5 مليون منزل باستخدام تقنيات مبتكرة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات بحلول عام 2030، كل ذلك يسير جنباً إلى جنب مع مبادرة البناء الحديث والذي أطلقته وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان لتعزيز نمو قطاع التطوير العقاري. نجحت المملكة في تعزيز مبان مستدامة وموفرة للطاقة، ومن بينها عشرات المشاريع التي اعتمدها نظام تصنيف التصميم الأخضر المعترف به دوليًا ليد (LEED)، كما حدّد المجلس الأمريكي للأبنية الخضراء بعض المشاريع العام الماضي و كان من بينها مجمع الملك سلمان للطاقة في المنطقة الشرقية ، واتمام المرحلة الأولى لمشروع شركة البحر الأحمر الدولية لذات التصنيف، إضافة إلى تجربة فندق ماريوت الحي الدبلوماسي والذي حصل على شهادة ليد الذهبية للريادة في مجال كفاءة الطاقة والتصميم البيئي. ويمكننا اليوم أن نقول بأن أكبر محرك بناء مستدام في المنطقة هو استراتيجية رؤية السعودية 2030 من خلال مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وهي بمثابة جهد واضح وطموح لتنويع الاقتصاد القائم على الهيدروكربونات، وحتى تتحقق تلك الأهداف فإن الاستراتيجية تتبنى مجموعة واسعة من مشاريع الطاقة المتجددة والمحافظة على البيئة، فضلاً عن تعزيز تصميم المباني الخضراء في العقارات الجديدة والبنية التحتية والمناطق الحضرية، ويمكن الإشارة إلى مدينة نيوم كمثال والتي تم تصميمها لتكون أول مدينة في العالم تصل فيها درجة الكربون إلى الصفر. ختاماً المؤشرات واعدة، ووفقًا لاستطلاع قامت به شركة هانيويل شمل 300 من قادة الأعمال وصناع القرار في المملكة والإمارات العربية المتحدة ومصر، أوضح 84% من المشاركين أن إدارة الطاقة والاستدامة تمثل أهمية قصوى لمنظماتهم، وقال الكثير منهم إن أهميتها قد ازدادت في الآونة الأخيرة، ونرى ذلك منعكساً في مشاريع صندوق الاستثمارات العامة العملاقة مثل مشروع نيوموالبحر الأحمر، مما يوضح حجم التحول الكبير تجاه المبادرات المستدامة، وهو ما ندعمه في أعملنا كأجندة ذات أولوية، مما يحقق حاضراً مميزاً ومستقبلاً واعداً للكوكب والأجيال القادمة. -الرئيس التنفيذي لشركة عبدالله العثيم للاستثمار-