ما يظهر في الصورة هو ما تفرضه زاوية الرؤية، ومن الاستثناءات التي يحصل عليها البطل على خشبة المسرح أن الضوء يطارده، لكن في السينما تتناغم الصورة والضوء؛ تتنافس زاوية الرؤية والبطل، ويتركز الانتباه على المشهد واللحظة داخل حدود الإطار في نهاية المطاف ومحصلة الرحلة، بينما البداية والخطوة الأولى تتشكل هناك في الكواليس، من القصة والشخصيات ومواقع التصوير وتفاصيل الحركة وبراعة الحبكة، ولذلك اختارت هيئة الأفلام أسلوباً مبتكراً للمشاركة السعودية في الدورة ال79 من مهرجان البندقية السينمائي، فارضة بصمتها وكاشفة عن تفردها من خلال تسليط الضوء على صناعة الأفلام في المملكة العربية السعودية والتجارب الناجحة فيها، كذلك عبر آلية تسهم في دعم المواهب السعودية بواسطة تعزيز حضورها في المنصات السينمائية الكبرى، إضافة لإيجاد فرص التطوير والنمو للسينما السعودية عبر الشراكات الدولية الفاعلة. مقاومة للانتظار وتقليص للمسافة واختزال للخطوات والزمن، ثلاثة عناصر رسمت ملامح حضور هيئة الأفلام في مهرجان البندقية السينمائي خلال دورته ال79، في تجربة توظفها الهيئة لتحقيق مجموعة من الأهداف والمتمثلة في تعزيز وجودها في المحافل العالمية، وتكثيف علاقاتها بصناع الأفلام في العالم عبر الجلسات الحوارية واللقاءات الثنائية، كذلك الترويج لبرنامج الحوافز الذي تنفذه الهيئة بهدف استقطاب الإنتاجات السينمائية الدولية للتصوير داخل المملكة، مقدمة ورش عمل لعرض مزايا البرنامج على صناع الأفلام والمنتجين السينمائيين الدوليين، وذلك خلال أيام المهرجان الذي يأتي بتنظيم بينالي البندقية في إيطاليا من "31 أغسطس وحتى 11 سبتمبر" من العام الجاري، مستمداً قوته من جاذبيته كل عام لجمهور سينمائي متنوع وعريض، ومستعيناً بوفرة الخيارات في روزنامة الفعاليات والمتضمنة فعاليات سينمائية انتقائية، وجلسات نقاش موسعة بمشاركة شخصيات عالمية بالتوازي مع تكريم عدد كبير من الأسماء السينمائية. ومثلما تفعل الأفلام من توثيق وسفر إلى الماضي فإنها دلالة الحاضر وعبور إلى المستقبل، فإن هيئة الأفلام تحاكي ما تنشغل به وعاملة على نهضة وتطوير الصناعة محلياً من جانب، ومن جانب آخر تجلب الصناعة والخبرات إلى السعودية، مقررة الانطلاق من المكان الذي وصل إليه الآخرون، وفي الوقت نفسه متمسكة بكافة العناصر الأصيلة والخصوصية والفرادة السعودية، لتكون مشاركة الهيئة في مهرجان البندقية السينمائي ال79 نموذجاً إبداعياً يجسد حالة من التفاعل بين المبدعين السعوديين والخبراء العالمين، عبر أنشطة تفاعلية تفتح نافذة على الفرص الواعدة لقطاع الأفلام في المملكة، كذلك الحوافز المقدمة لصناع الأفلام المحليين والدوليين، مبتكرة قنوات تواصل تسهم في تعزيز حضور صناع الأفلام السعوديين في المنصات الدولية، بالإضافة لمساحة نقاش حول مستقبل صناعة الأفلام في المملكة والعالم، وكذلك حملة إعلامية للترويج لبرنامج الحوافز ومواقع التصوير في المملكة في مختلف المنصات الاجتماعية الخاصة بالمهرجان وموقع الفعاليات والسجادة الحمراء ومطار البندقية الدولي. ذاكرة مهرجان البندقية السينمائي في دورته الحالية ستنصت للنداء والدعوة الملهمة الحاضرة بأصوات سعودية عبر الجلسات الحوارية، والتي تنظمها هيئة الأفلام على هامش المشاركة في مهرجان البندقية السينمائي، والمتمثلة في جلسة حوارية خاصة لصناع الأفلام السعوديين، بينهم: المخرج محمد السلمان والمخرج توفيق الزايدي والمخرج محمد العطاوي والممثلة سارة طيبة، المخرجة نور الأمير. إضافة إلى جلسة نقاش بمشاركة مخرجات سعوديات من بينهن المخرجة هيفاء المنصور. وأيضاً جلسة حوارية مع الأستاذ "باسكال ديوت" رئيس جسر فينيسيا للإنتاج "VPB"، والذي يعد من الملتقيات الرئيسة والناجحة لمحترفي السينما والإنتاج السمعي والبصري والواقع الافتراضي، وذلك ضمن جلسات حوارية وورش عمل وعروض لمجموعة أفلام ونقاشات مع خبراء في المجال. مشاركة هيئة الأفلام في مهرجان البندقية السينمائي ال"79" في إيطاليا، تتماهى مع رؤية المملكة 2030 في دعم المواهب المحلية البارزة ليكونوا سفراء للثقافة والإبداع نحو العالم، واستثمار لقدرة وجاذبية السينما في التعبير وتقديم رسائل عن الثقافة السعودية والمجتمع، وبما يوثق بصمة الثقافة السعودية ويجسد دلالة حضورها على خارطة السينما العالمية باعتبارها وجهة قادمة لتشكيل المشهد والمساهمة فيه بفرادة وأصالة، ومتكفلة عبر المشاركة السعودية في الفعاليات والمهرجانات العالمية بمد جسور التواصل وبناء العلاقات والتعريف بالمبدعين السعوديين، خاصة أن مهرجان البندقية يعد من أقدم المهرجانات السينمائية في العالم وأحد أكبر خمسة مهرجانات سينمائية في الوقت الحالي، ويشرف عليه بينالي البندقية إلى جانب فعاليات ثقافية أخرى تختص بالفن والمسرح والموسيقى والعمارة وغيرها.