أخذت المواجهات في المشهد السياسي الباكستاني منحا خطيرا، بعد إعلان السلطات الأمنية أنها وجهت لرئيس الوزراء السابق عمران خان تهما تتعلق بالإرهاب، وإلقاء خطابات الكراهية والتحريض على التمرد ضد الجيش والشرطة والقضاء، في تصعيد جديد للتوتّر السياسي الذي تشهدها باكستان على خلفية الصراع المحتدم على السلطة بين حكومة الائتلاف التي يرأسها شهباز شريف والمعارضة التي يقودها خان. وقال مراقبون ل"الرياض" إن الحكومة بدأت في اتخاذ الإجراءات القانونية لاعتقال رئيس حركة الإنصاف عمران. ويأتي هذا الإجراء من قبل الشرطة الباكستانية بعد يوم من إلقاء خان خطاباً أمام حشد من أنصاره في إسلام أباد، أدان فيه اعتقال أحد مساعديه، وتوعد بمقاضاة كبار ضباط الشرطة والقاضي المعني بملف الاعتقال، واتهامه بشكل مباشر للقيادات الأمنية بالتواطؤ ضد المعارضة. وتأتي هذه التطورات أيضا بعد إعلان لجنة الانتخابات بباكستان مؤخراً، بأن "حركة إنصاف" تلقت "أموالا غير مشروعة" من الخارج دعما لحملاته الانتخابية، وهو اتهام من الممكن أن يضع مستقبل الأخير السياسي على المحك، حيث يؤكد مستشارون قانونيون أن هذا الاتهام في حالة ثبوته، قد يؤدي لمنع عمران من المشاركة في الحياة السياسية لمدة خمسة اعوام. وكان خان قد اتهم الحكومة بحجب يوتيوب لفترة وجيزة لمنع الباكستانيين من الاستماع مباشرة إلى كلمة ألقاها أمام تجمع سياسي.. كما اتهم أيضا الشرطة بالتعرض لمساعده شهباز جيل الذي يواجه تهما بالتمرد ضد الجيش، للإيذاء الجنسي أثناء الاحتجاز ونفت الحكومة هذا الاتهامات. وجاء اعتقال شهباز جيل مساعد عمران، بعد يوم من ظهوره على قناة "ARY" الإخبارية تحدث خلالها بإسهاب عن الوضع السياسي الحالي، ودعا القوات حتى مستوى العميد إلى عدم قبول أي أمر غير قانوني من القيادة العسكرية العليا. فيما قال مسؤولون في حزب عمران إن المئات من أنصاره تجمعوا أمام منزله الواقع على قمة تل في العاصمة إسلام آباد، متعهدين بمنع اعتقاله بتهم مكافحة الإرهاب. ووفق النظام القضائي الباكستاني، يحق للشرطة توجيه التهم بشكل مبدئي ضد أي شخص ومن ثم تحيلها للقضاء الذي بإمكانه الأمر بالتحقيق ومواصلة الإجراءات. ويقود خان مظاهرات شعبية تطالب بتنظيم انتخابات مبكرة وإن ثبتت تهم الإرهاب الموجهة لعمران خان، فإنه سيكون معرضا للاعتقال. من جهته قال علي أمين غاندابور"، الوزير السابق في حكومته، على "تويتر": "لو تم القبض على عمران خان... سنستولي على إسلام آباد بسلطة الشعب". فيما قالت وزيرة الإعلام مريم اورانج زيب إن سياسات عمران أدت لوصول باكستان للإفلاس مؤكدة أن الحكومة تتعامل مع قضايا عمران وفق القوانين. يشار إلى أن خان أقيل من منصب رئيس الوزراء في أبريل الماضي بعدما خسر تصويتا في البرلمان على حجب الثقة إثر أزمة سياسية استمرت أسابيع. ومنذ الإطاحة به من السلطة، ينظم نجم الكريكيت السابق وأنصاره مظاهرات شعبية ضد الحكومة، تطالب بتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة. وتعيش العاصمة الباكستانية إسلام آباد تحت إجراءات أمنية مشددة تحسبا لأي احتجاجات أو وقوع "حوادث سيئة في اليوم الحاسم" فيما يعرف بالمنطقة الحمراء. وتنظر لمحكمة العليا وهي أعلى هيئة قضائية في العديد من القضايا من أجل البت في مصير رئيس الوزراء عمران خان. ووصل "خان"، نجم الكريكيت السابق، إلى السلطة عام 2018؛ إذ تعهّد بالقضاء على عقود من الفساد والمحسوبية. وما زال "خان" يحظى بشعبية في أوساط الشباب، وتجذب خطاباته نسب مشاهدة على القنوات التلفزيونية. وبعد الهزيمة التي تلقاها اشتد عزم خان على العودة إلى السلطة فشنَّ حملة سياسية اجتذبت حشوداً كبيرة من الشباب إلى الاحتجاجات العاصفة التي خرجت لتأييده في جميع أنحاء باكستان. وأخذ خان يتناول في خطاباته اتهامات تتحدث عن سرقة كبرى لأصوات الناخبين و"مؤامرة" مدعومة من الولاياتالمتحدة لإزاحته عن منصبه، مطالباً بإجراء انتخابات جديدة. في 17 يوليو اجتمعت لحملةِ عمران خان أسباب قوة مباغتة بعد أن سجل حزبه مفاجأة سياسية مذهلة، فقد حصل على 15 مقعداً من أصل 20 مقعداً برلمانياً أُجريت الانتخابات في مقاطعة البنجاب. وعلّق كثيرون آمالهم على خان عندما انتُخب عام 2018 بناء على تعهّده بالقضاء على عقود من الفساد المتجذّر والمحسوبية، لكنه واجه صعوبة في المحافظة على هذا الوعد في ظل ارتفاع مستوى التضخم وضعف الروبية وتفاقم الديون. وخسر خان أغلبيته في البرلمان، بعدما تحولت جماعات موالية والعديد من النواب من حزبه إلى المعارضة. وأثيرت هواجس بشأن إمكانية أن يؤدي جمود طويل الأجل إلى تدخل الجيش، وهي خطوة يمكن أن تقوض الديمقراطية إلا أن مصادر باكستانية أكدت أن الجيش مستمر على الحياد ولا يتدخل في الشأن السياسي إطلاقا. وتعتبر أهم منطقة في باكستان من الناحية السياسية والاقتصادية، ويقود ائتلاف المعارضة الحكم فيها وهي معقل الحزب الحاكم الذي يقوده رئيس الوزراء شهباز شريف.