رسالتنا اليوم للعالم من حولنا تؤكد أن المملكة العربية السعودية تتقدم إلى الأضواء دولياً وإقليمياً وفق استجابة طبيعية لتأثير الأحداث الدولية، لذلك فإنه من الطبيعي أن تقييم المملكة يتجاوز الكثير من الأرقام المتصورة في الترتيب السياسي الدولي.. قبل أيام كان الرئيس الأمريكي في زيارة إلى المملكة العربية السعودية، وهناك أخبار قادمة عن زيارة مرتقبة للرئيس الصيني إلى السعودية، كما كانت هناك جولات سياسية لسمو ولي العهد في دول أوروبية وآسيوية وإفريقية، وعبر هذه الصورة الكبرى للسعودية كونها محور اهتمام دولي فسيكون من الخطأ السياسي فهم السعودية بأقل من كونها لاعباً تاريخياً مهماً يتصاعد دوره في الخارطة العالمية في حالات الاستقرار وحالات الاضطراب معاً، في السعودية يدرك النظام السياسي بقوة الكيفية التي يتعامل بها مع الأحداث الدولية والإقليمية والمحلية وفق هذا المفهوم، ومن المؤكد أن ذلك الفهم الذاتي انعكس بشكل كبير على معرفته الدقيقة في تحديد المصالح واتجاهاتها. السعودية دولة عمرها يقترب من ثلاثة قرون وظلت عبر هذا الزمن وهي تحمل مبادئها الراسخة دون تغيير، فهي دولة تعتمد نظاماً ملكياً عميقاً في علاقاته المتبادلة مع الشعب السعودي، والخطاب الملكي السعودي عبر تاريخه يرسخ هذا المسار، كما أنها دولة إسلامية وتعرّف نفسها بهذه المكانة كون الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين جزءاً من الأراضي السعودية تاريخياً، ثم إن السعودية دولة ذات تأثير اقتصادي دولي، فهي أكبر منتج للطاقة في العالم، وغطاء كل ذلك أنها دولة تحب السلام وتسعى لاستقرار محيطها الجغرافي والدولي، ولم تشعر السعودية بأي تحديات داخلية مع كل مشروعات التطوير التي خاضتها. خلال رؤية 2030 كانت التفسيرات المتشائمة تدور حول قدرة السعودية على ردم الفجوة بين التحديث الذي تمر به وبين هويتها، ولكن الحقيقة أن الهوية السعودية بمفهومها العميق كانت محور الربط بين مشروعات التطوير الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وبين ترسيخ الهوية السعودية التي تميزت بأن الشعب السعودي يتشابه ونظامه الملكي، ويتشارك معه، وأركانه الوعي الراسخ بأهمية الاستقرار والمحافظة على المصالح المشتركة وترسيخ التقاطعات الاجتماعية والثقافية التي رسمت خطوط الالتزام بين الشعب ونظامه السياسي. كل الأسئلة السياسية خلال السنوات الماضية كانت تدور حول ماذا تريد السعودية..؟ وهذا سيوفر مفهوماً دقيقاً للراغبين في معرفة من نحن..؟ بعد رؤية 2030 فإن السعودية لديها تعريف أكثر تطابقاً مع التحولات الدولية، فرؤية المملكة هي إحدى الخطط الطموحة لجعل المملكة في مسار النمو الاقتصادي عبر تمرير فكرة البدائل الاقتصادية وتنوعها، وهذا تفكير متقدم لدولة تتربع على عرش إنتاج النفط في العالم، ومع ذلك تفكر جدياً أن تكون أول الواصلين إلى محطة بدائل الطاقة التي يسعى الجميع إلى الذهاب إليها عبر تطوير قتصادي وثقافي مميز. تطبيقات رؤية 2030 هي إثبات دقيق أننا قادرون على العيش دون ثقافة بترولية مسيطرة يمكنها أن تخنق اقتصادنا في مرحلة مستقبلية، أما الجانب السياسي والتاريخي فإن تأسيس السعودية لم يكن لأسباب أيديولوجية أو أسباب انفصالية أو انتقائية أو ثقافية، لقد كان تأسيس السعودية مرتبطاً باستجابة طبيعية للتوحد والاستقرار، لذلك لم تنشأ شعارات أزلية في النموذج السياسي السعودي بل كانت المرونة والقدرة على التكيف هما أكبر الشعارات التي يمكن من خلالها تفسير هذا الاستقرار. لقد ترسخ المفهوم عن السعودية بشكله الدولي بأنها دولة تمتلك خصائص مميزة تفترق بها عن غيرها وهذا يعكس وعياً متفوقاً بالذات تمارسه السياسة السعودية عن نفسها، التغير الفارق الذي حققته السعودية خلال السنوات الماضية تحديداً مع وصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان للحكم: يعلن دخول السعودية إلى مرحلة جديدة تعكس قدرة هذه الدولة على التكيف والمرونة، التي تحققت من خلال استجابة شعبية للتعديلات الضرورية للثقافة والاقتصاد والمجتمع، ولقد كانت الأسئلة الكبرى التي استقبلناها من الآخرين وتحدياتهم لفهم السعودية تمنحهم الإجابة السريعة لسؤال من هي السعودية..؟. رسالتنا اليوم للعالم من حولنا تؤكد أن المملكة العربية السعودية تتقدم إلى الأضواء دولياً وإقليمياً وفق استجابة طبيعية لتأثير الأحداث الدولية، لذلك فإنه من الطبيعي أن تقييم المملكة يتجاوز الكثير من الأرقام المتصورة في الترتيب السياسي الدولي، وعندما تستقبل السعودية رئيسي أكبر دولتين في العالم فليس هذا بمحض الصدفة، والتفكير الأعمق الذي لابد أن يتم فهمه عن الاستراتيجية السعودية أنها لا تفكر بكونها محطة سياسية تقع في منطقة جغرافية حيوية عالمياً وتمتلك مصادر للطاقة، الجميع يبحث عنها، من المهم الإشارة إلى منطق سياسي سعودي مستقل يتم الحديث عنه ويتم تقبله بشكل مباشر، السعودية اليوم تؤسس لمجتمع مؤثر وثقافة تغادر مواقعها التقليدية لتؤسس لمكانة جديدة ودور أكثر جدية لمغادرة كل المفاهيم التي تضعها في مكانة لا تتوافق ومفاهيم التطوير والحداثة.