الفساد هو عدو الإصلاح الأول لأنه يسير في الاتجاه المعاكس لما تبذله القيادة الرشيدة - رعاها الله – من جهود على كل ما من شأنه أن يسهم في توفير حياة كريمة للمواطن أساسها العدل والمساواة وحفظ موارد الوطن ومقدراته؛ فالفساد باعتباره من مهددات التنمية ومع ما يبذل من جهود لمكافحته يظل قوي ومنظم ويعرف متى وأين ومع من يتعامل، ويصعب أحيانا مكافحته عندما يكون متعاطيه يقع على رأس الهرم الإداري وأسندت له المسؤولية على أساس من الثقة في أمانته، ولذلك يلجأ الفاسد غالبا إلى إحاطة نفسه بحلقه من الفاسدين واستخدامهم كأدوات ممكنة لتنفيذ مقاصد، وبالتالي يجب ألا تقتصر جهود المكافحة على الأعمال والسلوكيات التي تشكل اعتداء صريحاً ومباشراً على المال العام إلى ما هو أبعد من ذلك لأن المحصلة النهائية لاستغلال السلطة هي التفريط بالمال العام بغير سند من النظام؛ وحتما سيتم القضاء على آفة الفساد بكافة أنماطه وأشكاله بالمكافحة المستمرة والشاملة والشراكة المجتمعية وبسط سيادة القانون حتى ولو كان مشوار المكافحة طويل. ومن هذا المنطلق نقول إن ديناميكية الفساد المؤسساتي المستحدث في مفاصل وأدوات ووسائل الفرص الوظيفية والاقتصادية في عدد من الأجهزة الجديدة حتى في ظل مبادرات حوكمة أعمالها وإجراءاتها، وهي مقارنة بما يحدث في غيرها من الجهات الأخرى أكثر تفاقماً وتهديداً لخطط الوطن الإصلاحية وبرامجه التطويرية وتشويهاً لمقومات الأمن الاقتصادي والاجتماعي وعوامل الثقة في مناخه الاستثماري على حد سواء، خصوصا عندما تسند مسؤوليتها الإشرافية أو الإدارية لمن هو ليس أمينا وبصلاحيات مطلقة، فيلجأ ذلك المسؤول إلى استغلال منصبه عبر تبادل المصالح مع المعارف وتوسيع دائرة علاقاته الاجتماعية عبر تقديم منفعتهم في ظل عدم الكفاءة بتعيينهم في الوظائف ومنحهم المزايا المالية والعقود في ظل عدم تحقق الحد الأدنى من المسوغات النظامية، بل وربما الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك بإساءة استعمال السلطة وانتقاص حقوق الغير وتمييعها إن لم يكن طمسها نتيجة الأمن من العقاب؛ ولذلك أثره غير المدرك على سمات وحدة النسيج الاجتماعي الوطني نتيجة تزايد النطاق التدريجي لتلف مقدرات الوطن وهلاك موارده وضياع مكتسباته، وفرط علل فجوتها واشتداد مناخ تأثيرها على استقرار مقومات الأمن الوطني إجمالا كإحدى المخاطر غير المدركة لزيادة الفوارق الاقتصادية وتناقضاتها الاجتماعية؛ ولهذا نقول إن المسؤول الأمين يبقى أمينا على ما وسد له من مهام ولو ظهر هناك فجوة نظامية أو إجرائية في تنظيم مسؤولياته، أما الحوكمة فيمكن للمسؤول غير الأمين استغلال سلطته لتقويض محددات أهدافها وفرض سطوته لتغيير مسار أعمالها.