ربما لا تولي بعض الشركات الفساد أي اهتمام طالما أنه لا يمس نمو رأسمالها والمصالح الخاصة لقياديها، لكن ذلك بلا شك له تأثيره على الاقتصاد وإعاقة عجلة نموه وسمعة نزاهة بيئته الاستثمارية ومقومات الثقة فيها. فإذا كان الفساد في القطاع الحكومي يشكل هاجسا للمجتمع بسبب بطء عجلة السيطرة عليه وتذبذب مصداقية نتائج مكافحته، مع أنها أكثر فهما ووضوحا للسلطات المعنية بالمكافحة؛ فإن ديناميكية المحسوبية المؤسساتية المستفحلة في مفاصل وأدوات الفرص الاقتصادية في القطاع الخاص تعد أكثر تفاقما وتهديدا وتشويها لمقومات الأمن الاقتصادي نتيجة متاهات أساليبها وتعقد طرقها؛ نحن لا نتكلم عن الممارسات الشائعة والمجرمة أصلا لكيفية استغلال المسؤولين مناصبهم لتبادل المنافع وتوزيع المصالح وتقاسم المغانم مع الأقارب والمعارف، كأسبقية تعيينهم في الوظائف وترشيحهم للمناصب وتقديم منفعتهم على غيرهم في العقود والمشروعات، ولو كان ذلك على حساب فعالية وكفاءة تنفيذ المشروعات وحرمان الوطن والمجتمع من خدمات الشركات النزيهة، والتي تحجم عن العمل في مناخ يحكمه الفساد نتيجة ما يفرض عليها من عمولات ومحسوبيات؛ حيث أظهرت دراسة استقصائية عن البنك الدولي أن شركة واحداة من كل ثلاث شركات ترى أنها مقيدة في عملها بسبب الفساد، واعتبر ما نسبته 53% من الشركات أن الفساد مقيد أساسي لعملها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث توقع ما نسبته 40% من الشركات تقديم هدايا للظفر بترسية عقود مشروعات؛ وإنما نعني أن فساد قوى المال والأعمال وتغلغل ممارساته قد يتجاوز إلى انتقاص هيبة أنظمة الدولة في سبيل حفظ الكراسي وتلميع الجهود عبر التلاعب بترميم أرقام الميزانيات، وتدوير المبالغ بين ميزانيات الشركات التابعة لتضخيم مظهر النتائج تحت غطاء عقود وهمية، وتأسيس شركات أجنبية تابعة لتسهيل دخول الأجانب، والتلاعب بنسب التوطين عبر عقود الباطن للخدمات الإدارية المساندة، والقائمة تطول. ومن هذا المنطلق نقول إن مكافحة الفساد تأتي لدرء خطر انتشاره والحد من مخاطر ضرره على المجتمع باعتبارها تشكل تعبيرا حقيقيا لثقافة سيادة حكم القانون وهيبة سلطات مؤسساته، وذلك لأن التباطؤ أو تجاهل التعاطي مع أسباب الفساد ومسبباته بشكل حازم مدعاة لانحراف ميكنة الإصلاح والنمو والتطور عن مسارها وفشل جهود التنمية المستدامة، وتوسع هوة تباين أثرها على سمات النسيج الاجتماعي نتيجة تزايد النطاق التدريجي لتلف مقدرات الوطن وهلاك موارده وضياع مكتسباته، وفرط علل فجوتها واشتداد مناخ تأثيرها على استقرار مقومات الأمن الوطني إجمالا كإحدى المخاطر غير المدركة لزيادة الفوارق الاقتصادية وتناقضاتها الاجتماعية.