لم يفاجئني كمواطن صدور الأمر الملكي الكريم بالموافقة على الترتيبات التنظيمية والهيكلية المتصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري والتي تضمنت ضم كل من: «هيئة الرقابة والتحقيق» و»المباحث الإدارية» إلى «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»، وتعديل مسماها ليكون «هيئة الرقابة ومكافحة الفساد»؛ وتفويض رئيسها للقيام بصلاحيات رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ومباشرة اختصاصات رئيس المباحث الإدارية، وله تفويض من يراه بممارسة بعض تلك الصلاحيات والاختصاصات إلى حين استكمال جميع الإجراءات النظامية اللازمة؛ وتكليف تلك الهيئة الجديدة بإنشاء وحدة تحقيق وادعاء جنائي ومنحها اختصاص التحقيق الجنائي في القضايا الجنائية المتعلقة بالفساد المالي والإداري، والادعاء فيها؛ وعقد الاختصاص المكاني في جميع الدعاوى المتصلة بقضايا الفساد المالي والإداري، للمحكمة المختصة بمدينة الرياض. أقول لم يفاجئني ذلك الخبر لأن نهج القضاء على الفساد هو إحدى أهم أولويات هذا العهد الميمون وتلك الترتيبات التنظيمية والهيكلية الجديدة تعكس بما لا شك فيه العزم على مكافحته بحزم لما يفرضه من تحييد لأي جهود إصلاحية ويؤطر لسيادة حكم القانون ويحفظ هيبة الدولة وسلطات أجهزتها؛ فالفساد بكافة أشكاله وأنماطه أرهق المواطن، وأنهك الوطن وبدد خيراته واستنزف موارده وعطل تنميته، والتباطؤ أو تجاهل التعاطي مع قضاياه بشكل حازم وناجز مدعاة لانحراف ميكنة الإصلاح والتطور عن مسارها وفشل جهود التنمية بشكل عام، وتوسع هوة تباين أثرها على سمات النسيج الاجتماعي نتيجة تزايد النطاق التدريجي لتلف مقدرات الوطن وهلاك موارده وضياع مكتسباته، وفرط علل فجوتها واشتداد مناخ تأثيرها على استقرار مقومات الأمن الوطني إجمالاً كإحدى المخاطر غير المدركة لزيادة الفوارق الاقتصادية وتناقضاتها الاجتماعية في المجتمع؛ وقناعة بأن الوطن ليس جسراً قصيراً للدخول لنادي الثراء غير المشروع أو بأن يظل المنصب وسيلة للتكسب، لأن مصلحة الوطن ومواطنيه لا يفترض أن يُعلى عليها؛ فالفساد يبرز كثيراً من الخطر والمخاطر على ما اعتمد من خطط وبرامج ومشروعات حيوية تصب في تنمية الوطن ورفاه المواطن؛ وهو أي - الفساد بكافة صوره - أحد أهم معوقات مسيرة التنمية لأنه يسير في الاتجاه المعاكس لما تضعه حكومتنا الرشيدة من خطط وتبذله من جهود وتعتمده من مشروعات تهدف إلى توفير حياة كريمة للمواطن أساسها العدل والمساواة وحفظ موارد الأجيال القادمة؛ ولهذا آتت تلك الخطوة المباركة لتأكيد استمرار مسيرة مكافحة الفساد بشفافية عالية ودون تردد أو ازدواجية تجاه الأشخاص، وصولاً إلى القضاء على أسبابه ومسبباته والبيئة المحفزة له، باعتباره سببًا رئيسًا في عرقلة الدفع بعجلة التطوير والإصلاح التي يعيشها الوطن، ويبرز تهديد حقيقي لكفاءة البنية الاقتصادية للوطن، مما يجعل منه مقوضاً لعوامل مقومات تنافسيته كأحد مستهدفات النهوض برؤية المملكة 2030.