يرتبط مصطلح الفساد باستغلال الموظف العام أو من في حكمه للوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، هذا المفهوم اللغوي الواسع يندرج تحته عدد من الأفعال التي تختلف من حيث التكييف القانوني ومتطلبات تحقق ركني المسؤولية الجنائية المادي والمعنوي والعقوبات، بحسب ما يرد في القانون المعني بتلك الممارسات المجرمة من تفصيلات قانونية. ما يهمنا في هذا المقام هو أن الفساد بهذا الوصف يشكل وصفا لجريمة جنائية معاقب عليها وفق قانون من قوانين جرائم التعزير المنظم، وبالتالي لا يصح إطلاق هذا الوصف على أي شخص يتبوأ منصبا عاما بناء على ما يتشكل لدى العامة من تصورات أو عدم رضا عن سلوكيات أو ممارسات اتخذها ذلك المسؤول أثناء مباشرته لمسؤولياته، حتى ولو اتفق ما صدر عن ذلك المسؤول من أفعال مع ما ورد في قوانين مكافحة الفساد من مقتضيات قانونية ويتحقق بها اكتمال وصف ماديات شق التكليف المكون لتلك الجرائم وفق وجهة نظر من يرى ذلك، نقول إنه من غير المقبول إطلاق وصف الفساد لأن ذلك يشكل نعتاً بجريمة جنائية، وإسناد الجرائم للناس يبنى على الجزم واليقين لا على الظن والتخمين، وهذا شأن القضاء بناء على ما يطرح أمامه من وقائع وأدلة وليس رغبات الناس أو تصوراتهم، فالأحكام القضائية التي اكتسبت القطعية هي من ينشئ الإدانة بالجرائم كافة بما في ذلك جرائم الفساد. ولتقريب الصورة نستشهد مثلا بحالة ما تعلنه بعض الجهات والأجهزة الحكومية بين فترة وأخرى لقوائم بأسماء المقبولين لديها في وظائف، والتي ما أن يتم الإعلان عن نتائجها يتكشف احتواء القوائم على عدد من الأسماء من عائلة واحدة، لذا وفي ردة فعل لعدم الرضا عن إجراءات التوظيف، يلجأ البعض إلى منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن سخطه والبدء بإطلاق ونعت شخصيات عامة في تلك الجهات بأوصاف الفساد جزافا واتهامهم باستغلال مناصبهم لتعيين أقاربهم ومعارفهم، ما أود الوصول له هنا ليس الدفاع عن الفاسدين والفساد فموقفي من ذلك ثابت في أكثر من مقال منشور، لكن ما أنشد التنبيه عليه هنا هو حالة التسرع لدى البعض في نعت الغير بالفساد نتيجة جهل أو تجاهل وسوء تقدير للعواقب والتبعات القانونية التي قد تترتب على هذا الاستعجال، فقبول الأقارب والمعارف وتكرار أسماء المقبولين من عائلة واحدة لا تعطي رخصة للتعدي على الغير ووصفه تجاوزا بالفساد، بل إنني أكاد أجزم بناء على ما نراه في واقعنا من مشاهد مكررة، أن المسؤولين في تلك الجهات لن يترددون في اليوم التالي بالتصريح إعلاميا والزعم بالنزاهة وسلامة إجراءات التوظيف وتأطير معايير تكافؤ فرص التعيين. ولهذا نقول: إنه حتى لو سلمنا جدلاً بنظامية تعيين واحد من الأقارب أو من عائلة معينة، فإن تعيين الثاني وما بعده تظل مؤشرات على إساءة استغلال السلطة، وما أكثر المؤشرات تلك للأسف في كثير من مؤسساتنا الحكومية، لكن ذلك لا يعطي الرخصة بوصف أي مسؤول ب"الفساد" بناء على ما يتشكل لدى الناس من استنتاجات وتكهنات، لأن المسؤولية الجنائية تبنى على أحكام قضائية قطعية، ولهذا ننصح بعدم التساهل في الإساءة للسمعة والتشهير والوصم بالفساد لإمكانية رجوع المتضرر على المتسبب قانونيا، لكن ذلك يجب أن لا يحبط من عزيمة من يتسم بالغيرة الوطنية على مكتسبات الوطن الاقتصادية ومنجزاته التنموية في ممارسة دور الشراكة المجتمعية في مكافحة الفساد بالمبادرة بإبلاغ الجهات الرقابية المعنية بمكافحة الفساد كي تتخذ الإجراءات اللازمة وفق الأنظمة النافذة.