لا أحد ينكر اليوم بعد الجهود والإجراءات الأخيرة لمكافحة الفساد التحول الحقيقي في مواجهته، أو يشكك في عدم اعتبار ذلك من أولويات الاهتمام لقيادة هذا الوطن الغالي والعزم على الإطاحة برؤوس الفساد وتعرية رموزه واجتثاثه من جذوره، انطلاقاً من ما يكتنفه الفساد من خطر على ما اعتمد من خطط لخدمات وبرامج ومشروعات حيوية تصب في تنمية الوطن ورفاه المواطن، وبالتالي ما يستلزمه القضاء على الفساد من جهد مضاعف تشريعياً وأمنياً وقضائياً، وشفافية عالية بهدف القضاء على أسبابه ومسبباته والبيئة المحفزة له، باعتباره سببًا رئيسًا في عرقلة الدفع بعجلة التطوير والإصلاح والنماء. واستكمالاً لتعزيز الجهود الوطنية التشريعية الرامية لتحييد الممارسات والسلوكيات الفاسدة، أقر مجلس الوزراء الموقر مؤخراً تعديلات جوهرية، منها: تعديل البند (رابعاً) من نظام الإجراءات الجزائية المتعلق برفع دعوى جزائية على الوزير أو من هم في حكمهم، وذلك بحذف عبارة «ولا تسمع بعد مضي (ستين) يوماً من تاريخ نشوء الحق المدعى به»، بحيث يصبح الحق في إقامة الدعوى الجزائية عليهم وسماعها غير مقيد بمرور الزمن ولا يسقط؛ وكذلك تعديل نظام مكافحة الرشوة بتوسيع نطاق الفئات الخمس الواردة في المادة الثامنة من النظام ممن يعدون في حكم الموظف العام ويخضعون لأحكامه، وذلك بإضافة فئتين هما: فئة موظفي وأعضاء الجمعيات الأهلية ذات النفع العام رؤساء وأعضاء مجالس إدارتها، وفئة موظفي المؤسسات التعليمية والمنظمات الدولية في ما يتعلق بتصريف الأعمال التجارية الدولية؛ كما شملت التعديلات الجديدة على إضافة عبارة «أو وعد بها» بعد عبارة «من عرض رشوة» إلى صدر المادة التاسعة من النظام والخاصة بجريمة «عرض رشوة لم تقبل»، كي يتحقق بمجرد الوعد بالعطية وقوع الجريمة واكتمال أركان قيامها؛ وكذلك شملت التعديلات الجديدة أضافة مادتين مكررتين للمادة التاسعة من النظام والخاصة بجريمة «عرض رشوة لم تقبل»، لتشمل الفئتين اللتين تم إضافتهما للمادة الثامنة، وبالتالي تقوم بهما جريمة «عرض رشوة لم تقبل»، متى كان العارض للرشوة أو الواعد بها ممن ينطبق عليهم الوصف للفئتين المضافة للمادة الثامنة. ومن هذا المنطلق نقول إن هذه التعديلات الجديدة أتت بغرض توسيع نطاق الفئات المشمولة بأحكامه لتعزيز وسائل مكافحة الفساد ودرء خطر انتشاره والحد من مخاطر ضرره على المجتمع، وتشكل تعبيراً حقيقياً لشمولية سيادة حكم القانون وهيبة سلطات الدولة ومؤسساتها، وذلك لأن التباطؤ أو تجاهل التعاطي مع أسباب الفساد ومسبباته بشكل حازم مدعاة لانحراف ميكنة الإصلاح والنمو والتطور عن مسارها وفشل جهود التنمية المستدامة، وربما تتوسع هوة تباين أثرها على سمات النسيج الاجتماعي نتيجة تزايد النطاق التدريجي لتلف مقدرات الوطن وهلاك موارده وضياع مكتسباته، وفرط علل فجوتها واشتداد مناخ تأثيرها على استقرار مقومات الأمن الوطني إجمالا كإحدى المخاطر غير المدركة لزيادة الفوارق الاقتصادية وتناقضاتها الاجتماعية، لكن بالحزم في المكافحة تحقق القناعة بأن متعاطي الفساد سيلقى الجزاء الناجز والعقوبة الرادعة كي تبقى للمال العام حرمته ولقوانين المكافحة اعتبارها وللأجهزة الرقابية هيبتها وللأجيال القادمة نصيبها. Your browser does not support the video tag.