في ظل هيمنة الرواية على المشهد الثقافي نجد بأن كتابة القصة القصيرة ما تزال تستهوي بعضاً من الأسماء الشابة، والتي تقدم تجاربها المختلفة بمستويات متفاوتة، ومن الأسماء الشابة التي تكتب القصة برؤية جديدة وبتكنيك يراهن على الومضة السردية القاصة يحضر اسم القاصة عبير أحمد، والتي سجلت حضورها الأول في مجموعتها القصصية «كائن يفترس نفسه»، وفي هذا الحوار نتعرف على تجربتها في كتابة هذه المجموعة القصصية: * «كائن يفترس نفسه» هذا هو العنوان لإصدارك الأول، إلى أي حد ترتبط دلالة العنوان بمضامين مجموعتك القصصية؟ * لا يرتبط العنوان كثيرًا بقصصي، هو عنوان إحدى القصص فقط. لكنني رأيته يمثّل حالة كتابة كل تلك القصص، افتراس الذات -أو العكس أحيانًا- لأجل الكتابة. * في مجموعتك القصصية نلاحظ أن الفكرة هي محور القصة أما الحكاية فهي غائبة وبالتالي يغيب السرد إلى حد كبير، كيف تنظرين إلى هذا الغياب السردي في قصصك؟ * هذا ما تريده القصة، تتجلّى لي بعض القصص كومضة لا أستطيع صنع مصباحٍ منها، كيف أقتل الومضة؟ أما بعض القصص فهي تحتاج لذلك البطء والسرد المكثّف، كمنزلٍ يتطلب العيش فيه التأثيثَ الدقيق. كثيرًا ما أخطط للبطء والكثافة فأجد القصة وقد كُتبت ومضة، محاولة إنعاشها سرديًّا ستقتلها بالضرورة. من يقرأ القصص سوف يجد طابع اليوميات حاضرًا إلى حد ما، وهذا ما يجعل تلك القصص تأخذ الطابع الذاتي، لذا لا نشعر بأنها مخترعة بقدر ما هي تدوين لذات الساردة. أليست القصص هي ما يحدث لنا يوميًّا؟ لا أرى أن على القصة أن تبدو كشيء مُختَرع ومُبتكَر وخارج المألوف، القصص تعلق بفناجين الضيوف في المجالس اليومية، نشربها باعتياد. أما عن كونها تدوينًا لذاتي فهذا افتراضٌ مُبرَّر، كلما هممت بكتابة قصة جعلتُني بطلتها، وإن غاب ذلك في قصص فأنا أُضمر في نفسي تلك البطولة وأشعر بأنني أشير إليّ. لا أدري تفسيرًا لذلك لكن ربما أمثّل لنفسي الحقيقة التي تحتاجها القصص، مرةً كنت مشجبًا تُعلّق عليه الملابس في قصة، من حينها وأنا أتعاطف مع المشاجب. * هناك الآلام، هناك أوجاع في القصص لكن سردك يأتي بنهكة رشيقة، ومن يقرأها سيجد هناك جانباً فكاهياً في سرد تلك الأزمات. إلى أي حد تجدين ملاطفتك للألآم والأوجاع في كتابة القصص؟ * الجانب اللطيف في قصصي غالبًا يمثّل الوحشية والألم في أعلى تجلياته، هناك علاقة طردية بينهما في قصصي. الأمر يشبه الصمت الذي يقول أكثر من الكلام، لا يمكن للصمت أن يكون بريئًا، كذلك تلك اللطافة. «الحذاء الذي لا يُستبدل مثلًا» تبدو قصة ظريفة عن حذاء يتحدث عن سعادته وحبّه الشديد للفتاة التي لم تخنه ولم تتخلى عنه؛ كل هذه الظرافة في أصلها عن طفلة بإعاقة لا تنمو قدماها. * حضور الرجل في نصوصك ضئيل، وإن حضر فهو يحضر عن بعد. كيف تنظرين لهذا الجانب؟ * لم أنتبه إلى غيابه حتى قرأت قصصي كاملة، العجيب أنني حتى في كتابتي عن الرجل لا أكتب عنه كذات، بل كرمز لشيء. في ظل البطريركية، الرجل يكتب العالم بأسره بمنظوره، هو البطل والسارد وصاحب وجهات النظر. لذا أظنني كنتُ أشيح عنه، لأمنح صوتًا لغيره. بقدر ما تغلب على النصوص نكهة الذاتية، إلا أن هناك خلفية تحضر في القصص حيث الأخوات شركاء بشكل ما في تلك القصص، وكذلك نجد هناك ثنائية في تناوب الحضور بين الأب والأم. كيف تقرئين هذا الحضور في نكهته العائلية في قصصك؟ ربما لأن القصة تبدأ عندي من العائلة. القصة الواحدة التي تحدث في العائلة -بالضرورة- ليست واحدة، بل تكون بعدد الأفراد. لا أستطيع تجاهل فكرة أن قصص الداخل أكثر من قصص الخارج. أعتقد أيضًا بأنها توثيق لمرحلة العشرينات وما قبلها، كقاصّة وجدت أن العائلة مثّلت محور هذه المرحلة، التفاتة لما يحدث في الداخل كي أخرج منه. * كاتبات القصص في الخليج في الأجيال الماضية كانت نصوصهن تغرق في الرومانسية، ولكن في قصصك ليس هناك رومانسيات –لم نلمس التوجد العاطفي في القصص–، هل هذا يعني أن رتم الحياة لهذا الجيل انعكس على رؤيته في هذا الجانب من الكتابة؟ * لستُ على بيّنة من رؤية جيلي، أظنني شخصيًّا تجنبتُ هذا النوع من القصص لسببين؛ أولًا: لأنه المتوقع مني بصفتي امرأة، لا أريد أن يُتوقّع مني شيء أو نوع، أتجنب التنميط وما يقرب منه. وثانيًا: لخشيتي من الوقوع في الابتذال. أحب الكتابة عن الحب بأشكال أخرى مفتوحة أكثر انطلاقًا من القصة. لا أعني أنني سأتجنب قصص الحب دائمًا، أحوال الكتابة متقلّبة. * كيف تنظرين للمشهد السردي في الإمارات؟ وأي الأسماء السردية التي لفتت انتباهك؟ * اطّلاعي على السرد الإماراتي بسيط ولا يؤهلني لإجابة كافية. أتذكّر أنني قرأت بضع قصص للقاصّة بالاسم المستعار سلمى مطر سيف، وقد لفتني كثيرًا ما تكتب.