ذات شتاء، كانت الديار تصافحنا كل صباح بمشهد ساحر. اليوم جدي عاد من حقله الذي يسميه (أبو سُمرة) باكراً وعلى غير عادته. بلحيته البيضاء التي تشبه سحابة ممطرة على أرواحنا، ها هو يسير باتجاهنا نرى وأخواتي خلفه ضباباً كثيفاً يلفه الجبل المجاور -حينها لم أكن أعرف شيئاً اسمه ضباب-. أسأل جدتي عن هذا المشهد الغريب الذي باغتنا تجيب: كان الجبل كائناً بحرياً؛ يطير من مكان إلى آخر بحثاً عن مأوى يستريح فيه، هنا يستعيد أسلافه كما ترى. أبي قال: إن الجبل شكا له من البرد الشديد لذا فهو يخرج البرد على شكل ضباب. أخي الأصغر أقسم لأبناء عمي في المدينة البعيدة أن الجبل عندنا كان يدخّن طوال اليوم بل وينفث دخانه في وجه الأشجار. أختي تفسر الأمر بأنه كلما فقدت غيمة بوصلتها لاذت بقريتنا. على صوت فيروز: (لما بغنّي اسمك.. بشوف صوتي غني.. إيدي صارت غيمي وجبيني علي) صوت علوي؛ (الحقائق تهطل كالأمطار، بهاء الديار يشبه المفاجآت المباغتة، يأتي دون مواعيد مصطحباً معه معاني اللذة).