قبل خمس سنوات كان طرح أسئلة مثل هل يمكن أن يستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القنبلة النووية؟ وهل يمكن استخدام سلاح نووي في أوكرانيا، أمرا من قبيل الخيال، ولكن هذه الأسئلة أصبحت مطروحة ومحل نقاش اليوم بعد مرور نحو شهر على بدء الحرب التي يشنها الرئيس الروسي ضد أوكرانيا. وطوال أغلب سنوات الحرب الباردة التي انتهت في مطلع تسعينات القرن العشرين، كان سيناريو الحرب النووية هو الكابوس الذي يؤرق رجال الدولة والشعوب في العالم. ولكن خلال العقود الثلاثة الماضية بدا كما لو لم يعد للأسلحة النووية وجود، وفي عام 1985 أصدرت الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي السابق بيانا مشتركا يقول إنه «لا يمكن لطرف الانتصار في أي حرب نووية ولا يجب أن تنشب» من الأساس، وهو ما بدا وكأنه بداية طريق نحو عالم أقل رعبا، بحسب المؤرخ العسكري والمحلل الاستراتيجي البريطاني ماكس هاستينجس. وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء قال هاستينجز إن البشرية يمكن أن تضحك بشدة من نفسها عندما ترى إلى أي مدى قلب الرئيس بوتين كل توقعات علماء المستقبليات، والذين ظلوا حتى شهر واحد يقولون إن ما يدعو للقلق هو الإرهاب والتغير المناخي والصراع في الشرق الأوسط واضطراب إمدادات الطاقة والهجرة الجماعية. ويضيف أن الغزو الروسي لأوكرانيا دفعه إلى التخلص من مجموعة الأعمال التاريخية عن الحرب الباردة لديه، حيث إن أغلب المؤلفين قالوا أو أشاروا في هذه المؤلفات إلى أن خطر الحرب النووي تلاشى في عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفيتي. ففي عام 2017 كتب أود أرني ويستاد المؤرخ البارز في جامعة هارفارد الأميركية يقول إننا نعيش الآن في عالم مختلف عن عالم الاتحاد السوفيتي، حيث من غير المحتمل أن يغامر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو نظيره الصيني شي جين بينج بالدخول في مواجهة مع العالم أو تعريض بلديهما للعزلة الدولية، بالفعل فهما سيحاولان عرقلة المصالح الأميركية وفرض الهيمنة الإقليمية أو حتى الدخول في حروب محلية محدودة لكننا لن نعود أبدا إلى حرب باردة نظامية على غرار الحرب الباردة في القرن العشرين.لكن الحرب الأوكرانية أثبتت خطأ هذا التصور لآن الرئيس بوتين عاد إلى استخدام أساليب أسلافه من قادة الاتحاد السوفيتي السابق والتهديد بالسلاح النووي.وقبيل بدء غزو أوكرانيا حذر بوتين التحالف الغربي بقيادة الولاياتالمتحدة من «عواقب لم تروها في تاريخكم» إذا قرر التدخل في حربه ضد أوكرانيا. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 لم يستخدم أي زعيم غربي مثل هذا التهديد لكن بوتين فعل ذلك، وبالطبع فإن هدف بوتين هو ردع حلف شمال الأطلسي (ناتو) عن التدخل في الحرب، وقد نجح إلى حد كبير، فلو لم يكن لدى روسيا ترسانة نووية، فربما كانت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها قد أرسلت قواتها إلى أوكرانيا مباشرة كما حدث أثناء الحرب الكورية عام 1950، وربما لم يكن بوتين ليجرؤ على القيام بعملية الغزو من الأساس لو لم يكن لديه هذا الغطاء النووي. ويقول هاستينجز إن الرسالة مفهومة تماما بالنسبة للأنظمة السلطوية التي ترغب في البقاء بأي ثمن مثل كوريا الشمالية أو التي تسعى إلى التمدد إقليميا مثل إيران، وبالنسبة لروسيا فالأمر أشد تعقيدا واختلافا، كما أن بعض الناس بات يرى أن أوكرانيا أخطأت عندما وافقت على التخلي عن ترسانتها النووية التي ورثتها من الاتحاد السوفيتي بموجب اتفاقية عدم اعتداء عام 1994 واتضح أنها بلا قيمة. ففي روسيا، وجه المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف تهديدا خطيرا عندما تحدث عن أن إجراء تجارب الصواريخ الاستراتيجية يتم بتوجيه رئيس الدولة «أنتم تعرفون الحقيقة السوداء الشهيرة والزر الأحمر فيها» في إشارة إلى حقيبة الشفرة النووية التي يحملها الرئيس الروسي ويتحكم من خلالها في إطلاق الصواريخ النووية. وفي الأسبوع الماضي قال بيسكوف إن بلاده لن تستخدم الأسلحة النووية إلا إذا كان وجودها مهددا، وكان هذا التهديد إجابة على سؤال من مذيعة كريستين أمانبور على شبكة سي.إن.إن التلفزيونية الأميركية عما إذا كان «مقتنعا أو واثقا» بأن بوتين لن يستخدم الخيار النووي في أوكرانيا. ويرى هاستينجز أنه إذا تعثرت حملة روسيا في أوكرانيا، فقد يبرر الكرملين استخدام أسلحة الدمار الشامل ضدها بالقول إن وجود روسيا معرض للخطر من جانب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وشعبه بدعوى أن أوكرانيا تطور «قنبلة نووية قذرة». ومن المرجح أن يستخدم بوتين أسلحة بيولوجية أو كيميائية ضد أوكرانيا، لكن من المحتمل أن يستخدم أسلحة نووية محدودة في هذه الحرب، خاصة وأن الأسلحة النووية التكتيكية تستهدف إلحاق خسائر جسيمة بالقوات التقليدية للعدو دون التسبب في عواقب أوسع نطاقا تؤثر على تشكيلات الدولة المهاجمة نفسها.