فكرت كثيراً أن أستهل هذا التقرير بمقدمة تعريفية عن شخصية وحياة (جو بايدن)، ولكني لم أستطع إقناع نفسي أن هذا الجانب يستحق إضاعة حبر القلم أو وقت القارئ الثمين؛ وهذا يعني بطبيعة الحال أن أضع الحيادية جانباً وأطلق العنان لرأيي - الخاص- مجرداً من الدبلوماسية الصحفية. حتى كتابة هذا التقرير أعتقد جازماً أن المرشح الديموقراطي "جو بايدن" لا يعدو كونه قضية خاسرة، ولا يملك أي مقومات النجاح، ومن الصعب أن يتقبل عقل المتابع للمشهد السياسي أن يصدق بأن بايدن يستطيع الوقوف أمام ترمب ومنازلته؛ بالرغم من استطلاعات الرأي (المشبوهة) التي تضع بايدن في المقدمة! كما كان الحال في انتخابات (2016) عندما توقعت جميع استطلاعات الرأي فوزاً ساحقاً لمرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون!. (جو بايدن) لم يكن خياراً مثالياً حتى من وجهة نظر المتنفذين داخل الحزب الديموقراطي، لذلك كانت هناك محاولات للدفع بشخصية قادرة على مواجهة ترمب؛ ومن هذا المنطلق تم فتح الطريق لرجل الأعمال والإعلام (مايكل بلومبيرغ)، الذي كان مرشحاً مثالياً على الورق، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً على أرض الواقع، وذلك من حيث الشخصية، والحضور الجماهيري، وقوة الرسالة، ومفاهيمه المشوهة حول هوية الحزب الديموقراطي..! وفي ذات الإطار كان هناك محاولة لتقديم (ميشيل أوباما) كمرشح للحزب، لكن فشل برنامجها الوثائقي (Becoming) على شبكة (نت فلكس) وضعف تقييماته، وتدني مشاهداته، وضع المكابح على تبني هذه الخطوة. ونتيجةً لفشل كل المحاولات لتقديم شخص قادر على منازلة ترمب؛ وجد الحزب نفسه أمام خيارات صعبة، وفي هذا السياق تقول (دانا بريزل) -الرئيس السابق للجنة الوطنية للحزب الديموقراطي والمتنفذة داخل الحزب- في تصريح لها عبر قناة فوكس نيوز: "يجب القبول بهذا الواقع؛ لعدم وجود بديل عن جو بايدن".! قبول (دانا بريزيل) بهذا الواقع لن يغير حقيقة أن (جو بايدن) لا يملك مقومات الفوز لأسباب كثيرة، من أهمها: الحالة الصحية لجو بايدن؛ حيث تشير بعض التقارير إلى أن مستوى الإدراك لدى بايدن في انحسار تدريجي خطير، وخير شاهد على ذلك ندرة خروجه أمام كاميرات الإعلام -بما في ذلك اللقاءات الحوارية-! ظهر جو بايدن للعامة وأمام الصحفيين مرتين أو ثلاث فقط؛ وخلال هذا الظهور أساء للناخبين السود وبشكل غير مقبول؛ فقد قال في لقاء حواري مع المذيع الأسود الشهير شارلمان: "من لا يصوت لي من السود فهو ليس بأسود!" وهو بذلك يشكك في قدرة المواطن الأمريكي الأسود على الاختيار والتفكير بشكل مستقل! كذلك يقول خلال مؤتمر صحفي: "المجتمع اللاتيني يعد مجتمعاً متنوعاً ومتعدداً، على خلاف مجتمع السود الذي يملك صبغة واحدة!"وهو بذلك يؤكد على قناعته بأن قدرة السود على التفكير المستقل ضعيفة! هذا الأمر ليس بالغريب، فجو بايدن يعد أكبر مرشح في تاريخ الرئاسة الأمريكية، بعمر يناهز (77) سنة أي بعمر (رونالد ريغان) عندما خرج من البيت الأبيض، وهذا الأمر يدركه بايدن، لذلك ألمح في وقت سابق بأنه في حال فوزه بانتخابات (2020) لا ينوي الترشح لفترة ثانية؛ وقد لقي هذا التصريح ردة فعل سلبية من قبل الناخب الديموقراطي، وستنعكس على حظوظ بايدن لصالح ترمب. مستوى الإدراك والتركيز لبايدن خلال المناظرات العامة القادمة أمام ترمب سيكون على المحك. وفي هذا السياق كشفت المناظرات خلال الانتخابات التمهيدية (2020) داخل الحزب الديموقراطي أن جو بايدن لا يملك مقومات المتحدث والمناظر القوي، بعكس ترمب تماماً الذي حطم على المسرح جميع منافسيه من الحزب الجمهوري، أمثال المخضرمين (جيب بوش)، و(مارك روبيو)، وتيد كروز)؛ وذلك خلال الانتخابات التمهيدية عام (2016). وهذا الأمر يدركه بايدن؛ لذلك كان يطالب بتقليص عدد المناظرات بحجة جائحة كورونا..! المناظرات الثلاث لها ثقل مهم في مسيرة الانتخابات، وستكون حاسمة في تحديد المنتصر ما لم يتمكن الديموقراطيون من تقليصها أو إلغائها لحفظ ماء وجه (جو بايدن). كذلك شبهة الفساد التي تدور حوله وحول ابنه (هانتر) الذي تطارده تهم الفساد في صفقات مشبوهة بالمليارات مع بكين في عام (2013)، عندما انضم (هنتر) إلى مجلس إدارة شركة أسهم خاصة مقرها شنغهاي؛ مستغلاً نفوذ والده الذي كان نائب رئيس أمريكا آنذاك. كذلك قضية الفساد المالي مع حكومة أوكرانيا؛ وفي هذا الصدد اعترف جو بايدن أمام شاشات الإعلام بأنه تدخل وضغط على الحكومة الأوكرانية لعزل المدعي العام الذي يلاحق ابنه! وقال بكل صراحة: "الدعم الأمريكي مقابل عزل المدعي العام!"، وهذا ما حدث بالفعل ويفتخر به (جو بايدن). وفي هذا السياق (هنتر بايدن) كان يتقاضى (50،000) دولار شهريًا للعمل في مجلس إدارة شركة طاقة أوكرانية، في وقت كان والده يساعد في تشكيل السياسة الخارجية لإدارة أوباما تجاه أوكرانيا، الجدير بالذكر أن (هنتر) لا يملك أي خبرة أو تأهيل في مجال الطاقة! بالإضافة إلى ما سبق يواجه المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن نداءات متزايدة تطالبه بالرد على مزاعم موظفة سابقة لديه تتهمه بالاعتداء الجنسي، وتقول (تارا ريد) -التي عملت مع نائب الرئيس الأمريكي السابق منذ ما يقرب ال 30 عاماً- إنه اعتدى عليها جنسياً في إحدى قاعات الكونغرس! كذلك اتهمت عدة نساء أخريات بايدن بأنه من النوع الذي يعطي لنفسه الحرية بملامسة أجسادهن!! ولكن هذه أول مرة يُتهم فيها بشكل خطير بسلوك جنسي مسيء!! هذه القضية تحولت إلى قضية رأي عام، وستنعكس بشكل سلبي على بايدن خصوصاً فيما لو دخلت أروقة المحاكم. (جو بايدن) خلال الأسابيع القليلة الماضية دخل دائرة الاتهام في قضية أنكر معرفته بها في وقت سابق، وهي: محاولة مسؤولين سابقين في إدارة أوباما إسقاط ترمب، من خلال تلفيق تهمة التخابر لمستشار الأمن القومي السابق لترمب (مايكل كون) مع القيادة الروسية، والذي ظهرت براءته بعد كشف المؤامرة وعدم قانونية التهمة. لذلك فإنه في حال ثبتت علاقة بايدن بهذه المؤامرة التي تمس الأمن القومي فستكون حظوظه في انتخابات (2020) (كدقيق فوق شوك نثروه، ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه!). الكثير من المتابعين للمشهد الانتخابي يعتقدون أن جائحة كورونا وما أتت عليه من خراب للاقتصاد الأمريكي ستخرج (جو بايدن) من الوحل؛ لكن الواقع أن بايدن لم يتمكن حتى من توظيف هذا الحدث لصالحه؛ فمنذ انتشار جائحة كورونا وبايدن مختفٍ عن الأنظار، ولم يسجل له أي ظهور إعلامي يذكر! بل أن اسم (جو بايدن) في إعلام اليمين ارتبط ب(القبو) حيث يختبئ! هذا السلوك لن يحقق له أي تقدم أو حظوة لدى الناخب الأمريكي؛ فالخوف صفة لا يجب أن ترتبط بالقائد، وهذا ما يدركه ترمب واحترز منه خلال هذه الجائحة، فالقيادة كما تتطلب الحذر فإنها كذلك تتطلب الإقدام والشجاعة وتحمل المسؤولية وفي هذا السياق لن أزيد عن ما ذكرته جريدة (بوليتكو) اليسارية وذلك في تاريخ ( 14/أغسطس/2020) عندما كتبت أن أوباما لا يشعر بكثير من الحماس تجاه حظوظ "جو بايدن". السؤال الذي يفرض نفسه بعد هذه الإضاءات السريعة، هو: أليس في هذا الحزب غير هذا المنافس؟ للرد على هذا السؤال سنستعرض نظريتين: -الأولى تفيد بأن الحزب الديموقراطي يعد انتخابات (2020) رهاناً خاسراً أمام ترمب؛ فلماذا لا ندفع نحو الهاوية مرشحاً لا تؤثر هزيمته على صورة الحزب بشكل عام، مثل ما حصل للمرشح الديموقراطي (والتر مونديل) في 1984م أمام (رونالد ريغان)، وكذلك كما فعل الحزب الجمهوري عندما دفع (بوب دول) 1996 أمام بيل كلينتون! القاسم المشترك بين ريغان وكلينتون هو الازدهار الاقتصادية والإنجازات غير المسبوقة في معدلات التوظيف، وهذا يعد قاسم مشترك مع إدارة ترمب. من مفارقات الزمن كذلك أن (والتر مونديل) كان أول مرشح للرئاسة يختار امرأة كنائبة له، وهي السيدة (جيرالدين فيرارو)، وهذا وجه تشابه كبير مع جو بايدن الذي قرر أخيراً أن يختار امرأة لمنصب نائب الرئيس وهي "كامالا هاريس". -الثانية تتلخص بأن الحزب لا يوجد فيه مرشح يملك الخصائص التى يملكها (جو بايدن)، وهي إمكانية إدارته من خلف الكواليس من قبل عراب الحزب الديموقراطي الرئيس السابق (أوباما)؛ فالحزب اليوم لم يعد يثق في خيارات الشعب التي كانت تميل نحو (بيرني ساندرز)، بالإضافة إلى أن أوباما لا يجد على أرض أمريكا أقدر منه على إدارة البلاد، وخير شاهد على ذلك ما حدث في (الثلاثاء الكبير) خلال الانتخابات التمهيدية، عندما انسحب كل المرشحين بأمر من أوباما، ووضعوا ثقلهم خلف (جو بايدن) لهزيمة (بيرني ساندرز)، الذي كان بمثابة الخيل الجامح الذي لا يمكن بحال من الأحوال أن يسلم نفسه لأوباما وغروره! ما لم يغيّر الديموقراطيون هذا الواقع الذي يرثى له، والذي يتطلب تقديم حلول جذرية أو حيل شيطانية، مثل: التلاعب بالأصوات من خلال التصويت الإلكتروني، أو عن طريق البريد، فإن مرشحهم (جو بايدن) سيهوي بهم نحو خسارة تاريخية قد تكلفهم الفرع التنفيذي والتشريعي بمجلسيه؛ وبالتالي تختل منظومة (الضبط والتوازن) التي قامت عليها نجاحات الديموقراطية داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية..!