البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في 8 أسابيع وسط ارتفاع الدولار    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    الأرصاد: الفرصة مهيأة لتكوّن السحب الرعدية الممطرة    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في stc    ا"هيئة الإحصاء": معدل التضخم في المملكة يصل إلى 1.9 % في أكتوبر 2024    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    عصابات النسَّابة    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    المنتخب يخسر الفرج    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    بوبوفيتش يحذر من «الأخضر»    أجواء شتوية    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المثقفون»..تقاسم «اللذاذة القرائية» وتدابر «الشراكة المعرفية»
نشر في الرياض يوم 13 - 03 - 2020

لا يكتمل جمال وقيمة المعرفة والثقافة مهما كانت درجة إبداعها مالم تحظ بتفاعل خلاق وتلقي جمالي بين المثقفين ومبدعي الكتابة باختلاف أجناسها.. إلا أن ثمة برود ثقافي في عملية التلقي والتفاعل، بل وتعمد لتجاهل الجهود المعرفية والثقافية من قبل البعض تجاه نظرائهم، برغم أن هناك ملامح إعجاب وتقدير خفي يأخذ طابع المساررة بين زمرة المثقفين لكنهم يستنكفون من الصدع به تجاه بعضهم البعض.. حول غياب الشراكة المعرفية طرحت الرياض هذه التساؤلات: كمثقف وكاتب هل تتفق مع هذا الرأي؟ وإذا كان نعم فألام تعزوه؟ ، ثم لماذا لانجد ذلك التسامح الجميل الذي يبدية الكتاب المغاربة مثلاً تجاه مشروعات بعضهم البعض فهناك من يقدم كتاب زميله وآخر يتولى الترجمة دونما وجود لهذه الحساسية التي نراها في مشهدنا الثقافي؟ فماذا قال المشاركون في هذا الاستطلاع؟!
ظاهرة الشلة
بداية يرى الدكتور سعود الصاعدي -أستاذ مشارك في البلاغة والنقد بجامعة أم القرى-: أن هذه قضية مهمة وجديرة بالطرح والتناول، وقال: تبدو لي ظاهرة لدينا في المشهد السعودي بشكل ملحوظ، حيث لا يوجد احتفاء بالإنتاج الثقافي والمعرفي بين المثقفين بطريقة تفاعلية، مرجعاً السبب إلى اعتياد المشهد لدينا على الصراع السلبي غير المنتج، الصراع الذي تتضخّم فيه الأنا، كما يعود إلى أن الثقافة لدينا ليست فعلاً حياتياً وهمّاً حقيقياً، إنما فعل شكلي مرتبط بالشلل والمقاهي أكثر من ارتباطه بالفكر وصناعة المعرفة.
ويعتقد الصاعدي أن أي فعل ثقافي أو فكري تنهض به الجماعة، بعيداً عن الشتات الفردي، يكون تأثيره أعمق، وهذا ما نلحظه في التميز والتفوق المغربي مؤخراً فيما يخص الطرح الفكري والعلمي حيث نجد عندهم ظاهرة الكتب المشتركة، وظاهرة الاحتفاء العلمي بمن لديه مشروع بإهدائه مجموعة من البحوث يقدّمها عدد من الباحثين في كتاب مشترك، معتبراً إياها ظاهرة علمية تصلح أن تنتقل إلى الفضاء الثقافي بشكل عام بعيداً عن التبجيل والشلليات، تكون غايتها الجانب العلمي والأدبي، أو الثقافي، وسيكون مردود ذلك على ثقافتنا المحلية إيجابياً، لأنه سينقلها من خلال هذا الفعل الثقافي المشترك إلى فضاءات عربية أوسع، لاسيما أن لدينا أسماء لها حضورها الفاعل على المستوى العربي.
واختتم: كل ما نحتاجه في هذا الشأن هو جعل الاختلاف الفكري والثقافي مثمراً بحيث ينقل ثقافتنا في مستواها الحواري لا مستواها الإقصائي، وهذا هو الفعل الحضاري للثقافة في صيغته التفاعلية البنّاءة.
فجوة القطيعة
وتستدعي الكاتبة والناقده لمياء باعشن حالة «الشللية» التي يكثر حولها الحديث بين الحين والآخر وتقول: عندما أفكر فيما يطرحه هذا المحور حول وجود برود وتجاهل ثقافي بين «زمرة المثقفين» تجدني أستدعي مباشرة تلك الصفة التي يطلقها البعض عليهم، خصوصاً في المناسبات وخلال الأنشطة المختلفة، وهي صفة (الشللية). وتكمل: ولا أدري إن كان إطلاق هذه الصفة يعني أن كل المثقفين شلة واحدة، أم أن هناك شللاً صغيرة داخل الزمرة الكبيرة، لكن هناك انطباعاً أن المثقفين يتساندون ويُحابون ويبنون من حولهم حصناً يمنع دخول الذين لا ينتمون إلى الشلة. وتضيف: التجاهل والشللية متضادان كما يبدو، ولا بد من أرضية متوسطة نستطيع أن نعرض عليها ظاهرة قلة التفاعل بين المثقفين حول أعمالهم، وندرة المتابعة فيما بينهم لما يشتغلون به.
وتفند: لا بد أن نقر بأن المثقفين ليسوا جزراً متباعدة، فهم يجتمعون في ملتقيات ومنتديات ومؤتمرات ومناسبات كثيرة، وفي كل لقاء هناك منابر ومحاضرات وجلسات نقاش وتبادل أفكار، ويستطيع كل منهم أن يعرف، بشكل عام، دوائر الاهتمام لدى كل مشارك. وتستدرك: لكن يظل هناك حاجز لا يتخطونه يفصل بين جهودهم الفردية، فنادراً ما يجتمع اثنان في عمل مشترك، ونادراً ما يتعاون جماعة في مشروع، ونادراً ما يتخطى الاهتمام بأطروحات الآخرين حدود العرض والنقاش خلال الفعاليات.
وتثير باعشن جانباً آخر من القطيعة الثقافية وتقول: لو تحدثنا عن العلاقة بين المثقفين كمبدعين وكمتلقين، فلابد أن نعترف أن هناك فجوة وربما قطيعة سببها أن المبدع يريد أن يتلمس أصداء فورية لعمله الإبداعي على شكل مراجعات في الصحف، في حين أن تلقي النقاد لتلك الأعمال تشكل جزءاً من فكرة متداخلة وتخدم توجهاً محدداً من دراسة أكثر شمولية. المبدع يحتاج من يقيم إبداعه ويقدمه للقراء، والناقد مشغول بالظواهر والدلالات المختلفة.
وتؤكد في نهاية حديثها أنه في الساحة الثقافية، هناك أفراد بينهم صداقات قليلة، وشيء من التوتر، وكثير من الاحترام والتقدير، لكن على المستوى الفكري والاحترافي هناك تنافر أنوات، وانكفاءات على الذوات، وسباقات على طرق المواضيع الجديدة المستجلبة من الغرب بغرض التميز، وتغافل تام عن ضرورة التكامل كعنصر أساسي لتكوين مشروع ثقافي سعودي الهوية والملامح.
دواعي الذاتية
وقدم الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي -أكاديمي وناقد- توطئة يقول فيها: قبل الشروع في الكتابة عن قضايا الكون، فإن الأمر يتطلب معرفة القضية، اسماً، ونوعاً، وجنساً، والغاية مما تنحو إليه الكتابة. فما الكتابة التي تستهوينا في الحديث عنها؟. ويضيف: الثقافة تعدّ المعادل التعبيري للكون، والحياة، ينطلق من أساسين لا ثالث لهما. هما: القول، والفعل. ومخرجاتهما السلوكية العامّة، والخاصة. وعلى هذا (فكل مخلوقٍ منفوسٍ مثقف) بما يحسن من القول والفعل.
انطلاقا من هذا المختصر المفيد عرج د. مريسي على «البرود الثقافي» مؤكداً أنه كان عيباً من عيوب الثقافة الشعرية عند ابن طباطبا في عيار الشعر؛ فقد ذكر الشعر البارد، والشعر الفاتر. وقال: التعبير بالبرود الثقافي قد يكون حالة، أو حالات فيها معنى الخصوص، وليس فيها معنى العموم. ويستطرد: قد شخّص الاستطلاع حالة البرود الثقافي في عمليّة التلقي الباردة، ولا أحد يطلب من مستقبل الثقافة، أن يتفاعل معها؛ فعملية الاستقبال للأشياء عملية معقّدة، يشترك في عمليّة تلقيها العقل، والنفس، والعلاقات الاجتماعية، والفنية وغيرها. ومن حق المتلقي استقبال ما يستحسنه، ولو لم يكن حسناً، ورفض ما لا يميل إليه، ولو كان حسناً، وهكذا. والعبرة بالقيمة التي يهتم بها متلقو الثقافة. وقال: استقبال الثقافة، أو الانصراف عن استقبالها قد يكون متصوراً لذات الانصراف، أو لدواع الذاتية، حتى عند المتلقي المؤهّل لاستقبال الثقافة.
مختتما بقوله: إنّ فضاء الثقافة الكونية مفتوح إلى غير نهاية، وتبقى المثاقفة ظاهرة عالمية في صور الإعجاب الظاهر أو الخفي، أو التردّد في إعلان نتائج المواقف الناقدة للثقافة.
ملفات مغلقة
فيما ترى نبيلة حسني محجوب -كاتبة وروائية- أن هذا الملف يستطلع المسكوت عنه قبل فوات الأوان وتقول: هذه الفكرة لم تسترع انتباهي بهذه الصورة التي جسدتها هذه المقدمة الاستطلاعية للقسم الثقافي بجريدة الرياض، وهو جهد يجير لكم، وكأنكم تفتحون ملف المسكوت عنه الثقافي في بعده الإنساني بين المثقف والمثقف، رغم أن فتح ملفات المسكوت عنه كفتح الجراح العميقة مؤلم لكنه ربما هو الوسيلة الصحيحة لعلاجها قبل أن تضرب الأعماق وتصل إلى النخاع ولن يجدى بعد ذلك النقاش حولها أو فتح ملفاتها.
وبحديث لا يخلو من عتب وامتعاض تقول: ككاتبة وروائية، لم أختبر مردود إنتاجي من الكتاب والكاتبات رغم أني أشعر بهذا التجاهل من مثقفي وطني، لكني أحاول دفنه في أعماقي، ربما لذلك شعرت أنكم فتحتم هذا الجرح الذي ينكأ مع كل إنتاج أدبي أدفعه إلى المهتمين ولكن أواجه بالصمت الرهيب، فقط الدكتورة عزيزة المانع كتبت عن روايتي هروب الزعيم في زاويتها في جريدة عكاظ قبل أعوام وما زلت ممتنة لفضلها، لكن غير ذلك لم أجد أحداً من الكتاب والكاتبات دعم أي عمل من أعمالي حتى النقاد، لم أجد ناقداً سعودياً تناول أحد أعمالي بالنقد الايجابي أو السلبي!!
وأضافت: كنت أتمنى أن أجد في وطني الحفاوة التي وجدتها من النقاد في القاهرة، منذ صدور روايتي بين مطارين 2006م، تلقفها النقاد وكلما أصدرت عملا عقدت له الندوات وتحمس له النقاد وكان طريقي لعضوية اتحاد الكتاب ونادي القصة وصالون الأربعاء بنقابة الصحفيين، روايتي الأخيرة «ممرات الريح» وجدت اهتماماً هناك ايضا رغم أني طبعتها هنا في وطني، وقدمتها لعدد كبير من المثقفين والمثقفات، ولكن،لا حياة لمن تنادي!
وأرجعت «التجاهل وعدم التفاعل» إلى ضعف التواصل بين الكتاب والمبدعين والنقاد، سابقاً، إلا في فعاليات دورية لم تتمكن من أن تكون بيتاً يجتمع فيه المثقفين، وتمتد بينهم روابط الود، رغم جهود وزارة الثقافة حالياً لجمع المثقفين والأدباء في معارض الكتاب، وملتقى المثقفين، ومؤتمر الأدباء، إلا أن العلاقة بينهم لا تتعدى رفقة الطريق أوالمكان.
وخلف كلمة «ربما» تسرد احتمالات قد تكون سبب القطيعة الثقافية فتقول: ربما لأننا مجتمع لا يتقبل النقد، ولا يتقبل الرأي الذي يخالف توقعاته، ربما لذلك ينحاز المثقف إلى الصمت على رأي «قل خيراً أو أصمت»، كذلك المقولات المعبأه بها ثقافتنا «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب»، ربما لذلك يصاب المثقف بالصمت أمام إنتاج المثقف الآخر إذا لم يتمكن من قول كلمة حق وطرح رأيه بتجرد، كي لا يخسر أصدقائه وأحبته، وربما لأن الوسط الثقافي مصاب بأمراض الغيرة والحسد.. ربما.
وتعد الثقافة منظومة متكاملة من الفعاليات والندوات ووسائل الإعلام، تعمل بشكل متكامل محرض على المزيد من الابداع، متمنية أن يتخلص المثقف والناقد من هذا البرود والتجاهل لمواجهة هذا السيل العارم من الإنتاج الأدبي والفكري وأن لا تنحصر الحفاوة على أسماء من دون أخرى.
تكتل واعٍ
من جانبه أوضح الدكتور خالد الرفاعي -أكاديمي وكاتب- أن حالة توصيف المشهد الثقافي لدينا لا تقوم على دراسات جادة، وقال: كما يتحدث بعضهم عن هذه الصورة التي طرحها الاستطلاع يتحدث آخرون عن (الشللية)، ويصوّرونها في مشهد التفاعل المجاني بين المثقفين، واحتفاء بعضهم ببعض على قيمة المنجز؛ لذلك لا يمكن – في البدء على الأقل- الاتفاق أو الاختلاف مع أي صورة أو ظاهرة أو مشكلة (منسوبة إلى مشهدنا الثقافي) قبل أن تؤطر بحيثيات كاشفة، تمكّن من التعاطي الموضوعي معها.
ويرى الرفاعي أن مجرد الحديث عن هذه الصورة (أو الظاهرة كما يعبر بعضهم) يدفع إلى السؤال عن مدى حاجة المشهد الثقافي في بلادنا إلى تكتلات ثقافية، تشبه – في الشكل على الأقل – المدارس أو الجماعات أو الروابط الثقافية والأدبية التي نهضت بدور ثقافي كبير خلال النصف الأول من القرن الماضي، مع قصر عمرها وضعف إمكاناتها.
ويكمل: هذا النوع من التكتل الواعي مهم لتحريك المشهد الثقافي، ومهم مرتين لتأسيس اتجاهات جديدة في منظومة الآداب والفنون إنشاءً أو تلقياً، لكنها تحتاج إلى مؤسسة ثقافية حاضنة، وإلى وعي من المثقفين أنفسهم بأهمية العمل الجماعي ولاسيما المعرفي الذي ينشط في مجال تأسيس النظريات، أو إثرائها. وما من شك في أننا نفتقد اليوم هذين المتطلبين، ففي المرات القليلة التي حاولت فيها المؤسسة الثقافية بناء تكتل ثقافي واجهتها مشكلة الانسجام والتناغم بين المثقفين، وفي المرات القليلة التي حاول بعض المثقفين بناء مظلة ثقافية لجهودهم النوعية واجهتهم مشكلات إدارية تتصل بوعي المؤسسة وقدرتها على الدعم.
نعم، ثمة ظواهر ومشكلات عديدة في مشهدنا الثقافي، لكنها ستنكمش مع تقدم المؤسسة الثقافية، ونجاحها في تأسيس أعراف جديدة في مشهدنا الثقافي، تنحاز إلى قيمة المنجز، وهذا ممكن.
خمول قرائي
أما الأديبة والكاتبة انتصار العقيل فتقول: البرود الثقافي في عملية التلقي والتفاعل فيما بين أهل الفكر والمثقفين، وتعمد تجاهل الجهود المعرفية والثقافية تجاه نظرائهم، دليل لغياب الكبار في ساحة الفكر.. الكبار وحدهم هم من يهتمون بإنتاج بعضهم البعض، وينتقدونه إيجاباً وسلباً، إن أعجبهم امتدحوه وساندوه وأكملوا أفكاره بما لديهم من أفكار إضافية. والعكس إذا وجدوه لا يناسب أفكارهم هاجموه وتبدأ حينها المعارك الفكرية.
وتضيف العقيل: إن متابعة المثقفين لنتاج بعضهم هو ما يحرك الساحة الفكرية، والتاريخ يقص علينا الكثير من هذه المواجهات التي أثرت المكتبة العربية ودارت أشهرها بين العقاد وطه حسين، في أدب التصادم أما في أدب المدح والمساندة فأعتقد أن مي زيادة نالت الحظ الكبير منه.
وتعلق على ماطرح في الاستطلاع من وجود: «ملامح إعجاب وتقدير خفي يأخذ طابع المساررة بين زمرة المثقفين لكنهم يستنكفون من الصدع به»، وتقول: شخصياً لا أشعر به. بل يوجد خمول وركود في المتابعة وبخل في التعبير عن الاستحسان. وتستطرد: حركة النقد التي تحرك الساحة أصبحت شبه معدومة. يبدو أن فيروس الكورونا أصاب الساحة الأدبية قبل فترة طويلة. الكل مكتفٍ بما ينتج يسوق له ويبحث عن من يمتدحه.
وتحمل وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية التغيير في التوجه الفكري، حتى أضحت الكتب على الأرفف بلا قراء.
اختلاس معرفي
ويعد الدكتور عالي القرشي-أستاذ الأدب والنقد- إن هذا التجاهل والبرود بين المفكرين والمثقفين عادة سيئة جداً وينبغي أن تزول وتقلع إلى غير رجعة، فمجتمعنا الثقافي بحاجة إلى تظافر الجهود لكي تنمو الثقافة وتزدهر، ثقافة مجتمعنا ووطنا يحق لها أن تحلق في كل معترك ثقافي بالشكل اللائق بها وبنا كشعب مثقف ووريث ثقافة، تلك الثقافة الانسانية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم لينشرها في الأرض كما أحب أن تكون الإنسانية جمعاً.
ويشير القرشي إلى أن الأمر الأساس في التكوين المعرفي والثقافي هو اهتمام المثقف بما يخدمه ويحفظ حقوقه فالاخرين لن يفعلوا ذلك نيابة عنه ولن يحفظو له حقوقه. ولكن التعاطي مع المنجزات الأدبية والثقافية والعلمية مسؤولية مشتركه يجب أن يحملها الجميع وقال: الحديث عن الشراكة المعرفية التي يجب أن تكون وإن لم تحدث لأي سبب فالأولى ألا يحدث عكسها.. ويكمل: شخصياً حدث لي عدة إشكاليات إهمها أن أحدهم اختلس كتابي «شخصية الطائف الشعرية» اختلاساً كاملاً ونسبه إلى شخص آخر، وحدث ذلك كثيراً مع غيري من الكتاب والشعراء والمؤلفين بالسطو على نتاجهم مع تغيير عنوان هذا الكتاب أو ذلك.. بمعنى «لا خيرها ولا كفاية شرها».
وشدد على أهمية التعاون بين المثقفين وخدمة المشروعات الثقافية فيما بينهم، للمساهمة في إبرازها وإنجاحها كما حدث ويحدث حاليا بين الأشقاء المغاربة من أدباء وشعراء ومفكرين ونقاد، إذ يشيرون إلى الإبداع ويتناولونه ويكتبون عنه ويستشهدون به وهذا هو الأمر الحميد في التكوين الثقافي والمعرفي بدلاً من التجاهل أو الاختلاس والسطو.
معارك أدبية
ويجزم هاشم الجحدلي -كاتب وأديب- بإن القيمة الأدبية «الحوارية أو النقدية» لواقعنا الثقافي المشرقي، قامت أساسا على الجدل العنيف أو «المعارك الأدبية» في أعظم الأمور وأغربها، مثل معركة الرافعي والعقاد، ومعركة الشعر الحديث، ومعركة جيم جدة ومعركة الصفوة والحرافيش وغيرها كثير.
ويضيف: طبعاً هناك نماذج مضيئة وقدمت شكلاً مثالياً للتواصل بين الأجيال وبين المزاملين، ولكن شكل الحوار الجدي الخلاق لم أجده بشكل ناصع سوى في حوار المشرق والمغرب بين الرائدين محمد عابد الجابري وحسن حنفي كما أن في نقد أو قراءة جورج طرابيشي لمشروع محمد عابد الجابري قيمة وإضافة كبيرة.
ويبدي الجحدلي انزعاجه من غياب المشهد الثقافي بشكل واضح عن رؤيتنا المباشرة عبر وسائل التواصل الاعتيادية وتحوله إلى فضاءات إلكترونية متعددة يغيب الحكم فيها بشكل دقيق ويتحول الرأي إلى مجرد تكنهات.
باعشن: الانكفاء على الذات والتنافر ظاهران
القرشي: عادة سيئة يجب أن تقلع
العقيل: دليل غياب الكبار عن ساحة الفكر
مريسي: المثاقفة وإعلان المواقف اختيارياً
الجحدلي: الحوار الخلاق لم يعد موجوداً
محجوب: أشعر بتجاهل مثقفي وطني!
الرفاعي: البيئة الحاضنة والتناغم مفقودان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.