يأتي اختيار قرية سدوس التاريخية لانطلاق طواف السعودية للدراجات الهوائية في مرحلته الثانية يوم الأربعاء المقبل والذي تنظمه الهيئة العامة للرياضة تحت إشراف الاتحاد الدولي للدراجات، لمكانتها الجغرافية التأريخية والاقتصادية والاجتماعية حيث تعتبر أحد المواقع التراثية المهمة بمنطقة الرياض، والتي كان لها دور في تاريخ المملكة وملحمة توحيدها، إذ نشأت بلدة سدوس على ضفاف أعالي وادي وتر، حيث تبعد هذه القرية عن الرياض 70 كم باتجاه الشمال الغربي، وهي إحدى مدن العارض أحد الأقاليم التاريخية التي كانت تتألف منها منطقة نجد، وتقع في الجزء الأعلى من وادي وتر (صلبوخ)، وعلى بعد ثلاثة أميال من جهة الشرق منها تقع حزوى التي كانت تعرف بالسدوسية ووردت في أشعار القدماء، وتمتد البلدة على حوض سدوس. مكانتها التاريخية اكتسبت سدوس أهمية كبرى، على مرِّ التاريخ؛ نظرًا لموقعها المميز، قرب إمارة العيينة قبل توحيد المملكة العربيَّة السعوديَّة؛ كما كانت محطة بارزة في الطريق البري الذي يربط منطقة اليمامة بمكة المكرمة؛ إضافة إلى قربها من مراكز الأحداث، المهمة خلال مراحل تأسيس الدَّولة السعوديَّة الأولى والثانية، ثمَّ في عهد الوحدة والاستقرار، بعد توحيد المملكة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، - طيَّب الله ثراه -. وتعد «سدوس» من أقدم الحواضر والمستوطنات البشرية في منطقة وسط الجزيرة العربية، وعرفت باسم القرية، واحتضنت معالم أثرية في غاية الأهمية، لعل أهمها مسلة لافتة عليها نقوش وكتابات تعود إلى عصور قديمة تؤكد أهمية البلدة كإحدى الحواضر في الجزيرة العربية. وتعد (سدوس) واحة استقرار بشري موغلة في القدم، وعلى الرغم من عدم توافر معلومات كافية عن تاريخ ذلك الاستقرار؛ فإنَّه يرجّح قِدَمه لعوامل عدَّة أسهمت في ذلك الاستقرار، أهمها: المياه، ثمَّ جودة التربة، وقربها من أهم الطرق في وسط الجزيرة العربيَّة، ثمَّ وجود مناطق رعوية وغابات تُعدُّ جيدة في الشعاب والأودية المحيطة بها. وقد وردت (سدوس) على لسان بعض الرحالة العرب والمسلمين، الذين تحدَّثوا عن معالم أثرية كثيرة لهذه القرية، ومن أهمها: الكتابات والنقوش القديمة؛ وما كان موجودًا بها قبل عقود، والمتمثِّل في البناء المشيّد بالحجارة والمنسوب لنبي الله سليمان بن داود، عليه السَّلام؛ بالإضافة إلى معالم أخرى كالمسلة «المنارة»؛ وحوض الماء «مدي» الإمام فيصل بن تركي؛ وحي البلاد؛ وجدة؛ والمرقب؛ والطرق والدروب؛ والسد وغيرها من المعالم الحديثة.. وارتبط تاريخ (سدوس) منذ العام 850 ه ارتباطًا وثيقًا بأسرة آل معمر، وتحديدًا، عندما اشترى حسن بن طوق، جد آل معمر، الوصيل والعيينة، وأقام فيهما إمارته التي تدخل سدوس ضمن بلدانها من آل يزيد من بني حنيفة العام 850ه - 1446م ورحل من ملهم إلى الوصيل خاصة العيينة، ونزلها وعمَّرها وتداولها ذريته، وتنتمي أسرة آل معمَّر؛ إلى قبيلة (بني تميم)، عندما حكمت إمارة.. (العيينة) لما يقارب (350) عامًا. واقتصاديا يؤكد التقييم الجيوتقني للحجر الجيري في منطقة سدوس أن الكتلة الصخرية بشكل عام ممتازة استناداً إلى تصنيف RQD مع تأثيرات بسيطة جدا لدرجة التجوية، خاصة على السطح الخارجي، ونتيجة لذلك وجد أن الحجر الجيري لمنطقة سدوس جيد من ناحية استخدامه في أحجار الزينة بالإضافة إلى أن كمية الإنتاج قد تصل إلى 90 % من إنتاج المحجر الكلي، ودلت النتائج على أنه صخر متجانس وأحادي الخواص ويحتوي على نسبة عالية من الكالسيوم، وقد يستخدم في صناعة الإسمنت. كما اشتهرت سدوس بخصوبة أرضها بل قيل إنها من أخصب قرى اليمامة وقد اشتهرت بإنتاج نوع من الرمان وصف بحلاوة المذاق الفريد. تطوير سدوس وفي العام 2014 أزيح الستار عن قرية سدوس التراثية التي أصبحت جدران طينية تتهاوى وتنقض مع مرور الزمن، وعقود من الهجران كادت أن تعصف بتاريخها، لترميمها وتطويرها لتتحول إلى قرية اقتصادية منتجة ومتكاملة ومشروع استثماري متنوع ينتشلها من الاندثار إلى الاستثمار. وتم تنفيذ مشروع تطوير بلدة سدوس على ثلاث مراحل، تضمنت المرحلة الأولى تطوير وسط المدينة خلال 520 يوماً، ويتم تنفيذ المشروع بالتعاون بين الهيئة العامة للسياحة والآثار، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووكالة أمانة منطقة الرياض لشؤون بلديات المنطقة، كما تضمنت المرحلة الأولى من المشروع تنظيف الممرات والفراغات والمباني من المخلفات والأنقاض وتجميعها وفرزها وتسويتها، وإعادة تأهيل البنية التحتية للبلدة للأعمال الكهربائية والميكانيكية، وإعادة رصف الشارع الرئيس حول البلدة وتطويره بطريقة تتماثل مع شكل القرية، وإعادة بناء وترميم سور القرية بالكامل، والمحافظة على منابع مياه الآبار والكشف عنها، والمحافظة على اللوحات الجصية والجدران والأعمدة، وإعادة بناء الجدران الطينية بمختلف عناصرها وطبقاتها وسماكتها. أما المرحلة الثانية للمشروع فتم خلالها إكمال ما بدئ في المرحلة الأولى، في حين تضمنت المرحلة الثالثة تطوير ما تبقى من أجزاء لحي البلاد، والاهتمام بالأحياء التراثية الأخرى كحي الرأس والمنارة والقصر القديم ومرقب سدوس وغيرها. إعادة تأهيل البنية التحتية للبلدة مركز التراث العمراني