إن أحد أهم أسباب إطالة أمد القضية الفلسطينية وضياع الحقوق المشروعة لأبناء فلسطين وتشتت الرؤية العربية هو أولئك العُملاء والمرتزقة الرافعون شعار المقاومة والمتاجرون باسم الإسلام الذين يُنفذون أجندة إقليمية تخريبية على حساب القضية الفلسطينية.. مع طرح "خطة ترمب للسلام" في 28 يناير 2020م ستبدأ مرحلة جديدة من مراحل الانقسامات العربية - العربية، وستضيف لحالة الوهن العربي وهناً، ولحالة الضعف التي يعاني منها العالم العربي مزيداً من الضعف. إنه الواقع العربي الذي ألفه المواطن العربي على مدى العقود الماضية، والوضع المحزن الذي تعايش معه المواطن العربي على امتداد الأراضي العربية الفسيحة. إنها الحالة العربية التي اصطبغت بها السياسة العربية حتى أصبحت سمةً تُعرف بها، ووصفاً توصف به في الأوساط السياسية الإقليمية والدولية. إنها المرحلة الجديدة من الانقسامات التي يتطلع لرؤيتها أعداء الأمة العربية، ويبحث عن استثمارها الساعون لتدمير المجتمعات العربية والمستهدفون لأمن وسلم واستقرار الأوطان العربية. هذه المرحلة الجديدة من مراحل الانقسامات العربية - العربية جاهزة جاهزية تامة للانطلاق والإعلان عن حالتها، ولكنها فقط تنتظر سبباً لتسوق نفسها وتُبرر موقفها؛ وهذا الذي سيحدث بمجرد ظهور الرئيس الأميركي ترمب للحديث عن خطته للسلام. هكذا أخبرتنا التجارب السابقة عن حالتنا العربية المشتتة، وهكذا علمتنا أحداث التاريخ الطويل لعملية السلام؛ فالوطن العربي ابتلي ابتلاء شديداً بأصحاب التوجهات السياسية المتطرفة، والمصالح الشخصية الأنانية، والطروحات الفكرية الضيقة، والتحزبات الأيديولوجية الإقصائية. نعم، من المتوقع، وكما طرح رؤساء أميركيون من قبله، سيطرح الرئيس الأميركي ترمب خطته للسلام كما يراها بصفته رئيساً للولايات المتحدة، وسيضع فيها تصوره الكامل الذي يحقق السلام الشامل كما يتمناه، وسيعمل، كما عمل من سبقه من الرؤساء، على تسويقها دولياً ومن ثم محاولة تطبيقها وفرضها على أرض الواقع. وعند هذه اللحظة التاريخية لإعلان الرئيس ترمب عن خطته للسلام، ستبدأ مرحلة الانقسامات العربية - العربية الجديدة، ولكنها ستكون أشد قسوة من المراحل التي سبقتها تاريخياً. فهذه المرحلة، التي ينتظرها المتاجرون بالقضية الفلسطينية وبمآسي أبناء فلسطين، ستتميز بالابتعاد التام عن مُناقشة أو معارضة "خطة ترمب للسلام"، وستُركز فقط على طرح مسألة العلاقات العربية مع الولاياتالمتحدة بهدف تشويه صورة الدول العربية التي تجمعها علاقات متقدمة مع الولاياتالمتحدة، وستأتي المملكة التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع الولاياتالمتحدة على رأس قائمة الاستهداف كما هو معتاد. إنها حالة العداء الموجه والاستهداف الممنهج التي تكررت مراراً في عقود سابقة، وستتكرر كثيراً في قادم الأعوام. ستكون "خطة ترمب للسلام" فُرصة سانحة لعُملاء ومرتزقة النظام الإيراني ممن يرفعون شعار المقاومة في الوطن العربي، وستكون لحظة منتظرة للتنظيمات والجماعات التابعة لتركيا ممن يتاجرون باسم الإسلام في الوطن العربي، لاستهداف الدول العربية المؤيدة تاريخياً للحقوق الفلسطينية المشروعة والداعمة لعملية السلام وفقاً للأعراف والقوانين الدولية. فالقضية الفلسطينية بالنسبة لهؤلاء العُملاء والمرتزقة ممن يرفعون شعار المقاومة ليست إلا مكاناً للحصول على السلطة السياسية والنفوذ الاجتماعي، وقضية للتكسب المادي والمالي، ومسألة مناسبة لإثارة وتجييش وتأليب الرأي العام العربي والإسلامي. فأهدافهم الحقيقية لم ولن تكون في يوم من الأيام خدمة القضية الفلسطينية أو رفع الظلم والمعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني الكريم. فقد كشفت أحداث الزمان نياتهم الخبيثة وعمالتهم الوضيعة ومخططاتهم الدنيئة التي اتخذت من القضية الفلسطينية عنواناً للمتاجرة، ومن معاناة أبناء فلسطين شاهداً لكسب مزيد من السلطة والنفوذ والمال. ستكون "خطة ترمب للسلام" فرصة سانحة لعملاء ومرتزقة إيران وتركيا في الوطن العربي لاستهداف المملكة، الدولة الأولى التي وقفت ومازالت تقف مع الحقوق المشروعة لأبناء فلسطين بكل ما تستطيع سياسياً ودبلوماسياً ومادياً ومالياً. وستحاول جاهدة وسائل إعلام هؤلاء المرتزقة والعملاء العمل على تشويه صورة ملوك وقادة المملكة الكِرام الذين خدموا القضية الفلسطينية أعظم خدمة، وبذلوا في سبيل ذلك جهداً عظيماً يعلمه أبناء فلسطين الأوفياء لقضيتهم والمخلصين لأبناء شعبهم والشرفاء من أبناء الأمة العربية. هكذا ستكون توجهات المرتزقة والعملاء لأنهم ليسوا إلا أدوات تنفذ أجندة إيران وتركيا في الوطن العربي، وبهذه الأكاذيب والأباطيل سترتفع أصواتهم النشاز عبر وسائل إعلامهم الموجه فكرياً وأيديولوجياً؛ ولهذه الغايات المُدمرة والتخريبية في الوطن العربي تعمل إيران وتركيا على تمويلهم مادياً، ودعمهم مالياً، وإيوائهم على أراضيهم، ومساندتهم معلوماتياً ولوجستياً. وفي الختام من الأهمية القول إن أحد أهم أسباب إطالة أمد القضية الفلسطينية وضياع الحقوق المشروعة لأبناء فلسطين وتشتت الرؤية العربية هو أولئك العُملاء والمرتزقة الرافعون شعار المقاومة والمتاجرون باسم الإسلام الذين يُنفذون أجندة إقليمية تخريبية على حساب القضية الفلسطينية ويخدمون توجهات سياسية هدامة مزعزعة لأمن واستقرار الأوطان العربية. ففلسطين بالنسبة لهؤلاء ليست إلا قِصة يجب إطالة فُصولها ليحسُن استثمارها، ومعاناة أبنائها ليست إلا رواية مصورة يمكن تكرار عرضها لتجييش الرأي العام لتنفيذ المخططات الإقليمية التدميرية. بهذه الأدوات الإيرانية والتركية الوضيعة والدنيئة فقدت القضية الفلسطينية الرؤية العربية الموحدة، وتعددت المشروعات الأميركية التي تأتي دائماً على حساب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. إننا أمام مرحلة تاريخية جديدة يجب الوعي بأخطارها وتدارك تبعاتها السلبية إن أراد الوطن العربي الإبقاء على شيء اسمه القضية الفلسطينية في السياسة الدولية، وليس في الذاكرة العربية.