«إنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين» هذا ما قاله المرشد الأعلى السابق للجمهورية الإيرانية، وذلك في أغسطس من العام 1979، حيث ارتأى أن اتفاقية كامب ديفيد والخلافات العربية في تلك المرحلة، فرصة سانحة لكي يخُتطف الملف الفلسطيني من العرب للفرس، ومنذ ذلك الحين يتم الاحتفال بيوم القدس وخروج المظاهرات المنددة بالموت لأمريكا والموت لإسرائيل، وحين كان الإيرانييون يجلسون مع الأمريكان في غرفة المفاوضات لإتمام الاتفاق النووي، كانت صوت النداءات في هذه المظاهرات «الحكومية» والتي تحركها الأجهزة الإيرانية بمثابة الموسيقى التصويرية. وخلال أربعة عقود من السعي للمتاجرة بالقضية الفلسطينية، نجحت إيران بمساعدة حماس في شق الشارع الفلسطيني ودعم الانفصال بين غزة والضفة الغربية، بالإضافة لزرع حركات شيعية بهدف نشر الطائفية والانقسام الوجداني بين الشعب الفلسطيني، عبر تأسيس حركة «الصابرين» الشيعية بغزة. وبالطبع أصبح قرار حركات مثل الجهاد وحركة حماس الإخوانية، مرتبطا بالقرار الإيراني في السلم والحرب، وكل مرة كانت إيران تحتاج للضغط على الغرب، تنطلق الصواريخ من غزة على إسرائيل، ثم ترد بشكل عنيف، يلي ذلك خروج القنوات التي في فلك المقاومة الإيرانية، لتقول بتقصير العرب في نصرة فلسطين، وما زال البعض يشتري تذاكر دخول هذه المسرحية الهزلية. يوم القدس أتى هذا العام بالتزامن مع القمة الإسلامية في مكةالمكرمة، وبالتالي كانت فرصة إيرانية لرفع الصوت ومحاولة التشتيت على النجاح السياسي للمملكة العربية السعودية في القمة الإسلامية، وفي القمتين الطارئتين اللتين سبقتا القمة الإسلامية، وما حققته القمم من إجماع ضد الممارسات التخريبية الإيرانية. ويزعج طهران كثيرا أن فكرة «محور المقاومة» تساقطت، ولم تعد ذات تأثير عربي أو إسلامي، فما كسبه حزب الله من مغامرة خطف الجنديين الإسرائيليين في 2006، ودمر على إثرها البنية التحتية في لبنان وتسبب في مقتل أكثر من 1200 لبناني، نجح إلى حد ما في تسويق هذه الكارثة على أنها نصر إلهي. لكن ما حدث من سوريا خلال هذه السنوات، أسقط فكرة محور المقاومة بشكل كامل، فإيران وحزب الله ونظام الأسد لم تقاتل إلا الشعوب العربية، وفي أغلب الأحيان بأجندة طائفية، بل إنها لم تمتلك من الكرامة، أن ترد على العدوان الإسرائيلي بعشرات الغارات على مواقع في سوريا. ولكن الأب الذي أجر الجولان لإسرائيل، لا يجب أن نتوقع من ابنه أن يرد إذا ما وقع الرئيس ترمب على أن الجولان أرض إسرائيلية، وهذا ينطبق على حلفائه في حزب الله وإيران بطبيعة الحال. وبالنظر في مواقف إيران بعيدا عن تصريحاتها، نشهد أنها سعت لفرد أوراقها على الطاولة أمام الأمريكان، عبر التصعيد العسكري في الخليج العربي، بالاعتداء على ناقلات النفط، وفي العراق عبر استهداف محيط السفارة الأمريكية بالمنطقة الخضراء ببغداد، واستخدام الحوثيين لتجديد استهداف المملكة، ومكة تحديداً قبل انعقاد القمم، وسبق ذلك تحريك محدود لجبهة غزة عبر إطلاق بعض الصواريخ على إسرائيل. لكن الجبهة الوحيدة التي لم تتحرك ولن تتحرك هي جبهة حزب الله-إسرائيل، مهما أزبد وعربد نصر الله، بل إن حزب الله أعطى الضوء الأخضر ل«الدولة اللبنانية» لكي تفاوض إسرائيل على ترسيم الحدود وعبر مفاوض أمريكي لا روسي ! وردا على ذلك أبلغ مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد، لبنان بموافقة إسرائيل على بدء التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية والبرية بين البلدين، وهو ما يسهم لاحقا في بدء لبنان في التنقيب عن النفط والغاز في عدة مواقع بحرية، علما بأن بعضها ما زالت محل نزاع ينتهي بترسيم الحدود. حزب الله سيستفيد من بدء التنقيب عن النفط والغاز لتعويض النقص الحاد في الميزانية التي تصله من طهران، جراء العقوبات الأمريكية، لكن المنهج الإيراني كالمنهج القطري، مزايدة على العرب وتزلف لإسرائيل كلما ضيق الخناق الأمريكان. * كاتب سعودي