البنوك السعودية تتحدى خفض أسعار الفائدة وتحقق أرباحاً قياسية خلال الربع الثالث بزيادة قدرها 3 % عن الربع الأول الذي كانت فيه أسعار الفائدة عند أعلى مستوياتها منذ سنوات عديدة، وكذلك ارتفعت بنسبة 24 % عن الربع الثاني الذي شهد زيادة كبيرة في مخصصات بنك ساب وبنك الاستثمار وبنك سامبا والبنك السعودي الفرنسي، أيضاً الأرباح المحققة خالفت توقعات المحللين التي لم تعتمد على دراسات تحليلية معمقة ذات منهجية علمية قائمة على معرفة تامة بوضع القطاع المصرفي ولذا رأينا تبايناً كبيراً وصل إلى أكثر من 33 % في نتائج بنك سامبا مثلاً، وفي اعتقادي بأن التوقعات بُنيت على نتائج الربع الثاني الذي شهد زيادة كبيرة في المخصصات ومن المسلم به في الغالب أن زيادة المخصصات لا تتكرر في الربع الثالث، ومن متابعتي لنتائج البنوك منذ سنوات طويلة لم يحصل أن تكررت زيادة المخصصات خلال ربعين متتالين فلماذا تبنى توقعات النتائج على اعتقاد خاطئ احتسب نفس المخصصات التي حصلت في الربع الثاني وأضاف عليها أثر خفض أسعار الفائدة؟ ليس بنك سامبا فحسب الذي وقع خطأ في توقعات الأرباح بناء على تحليل نتائج الربع الثاني بل حصل مع بنك ساب والبنك السعودي الفرنسي أما بنك الاستثمار فلم أجد أي توقعات للمحللين عنه، والخطأ الآخر الذي وقع فيه المحللون هو احتساب أثر خفض سعر الفائدة على الأرباح ولو كان هنالك قراءة دقيقة للأرقام لم يحدث مثل هذا الخطأ، اذ كان ينبغي على المحللين معرفة نسبة القروض بالفائدة الثابتة وبالفائدة المتغيرة، وكذلك نسبة نمو الإقراض وهذا ممكن معرفته من نشرة ساما الشهرية، وكذلك الأخذ بعين الاعتبار للفترة التي حصل فيها خفض الفائدة حيث إن خفض الفائدة حصل للمرة الأولى في نهاية شهر يوليو أي أن الأثر سيكون ربع نقطة مئوية على شهرين والخفض الثاني حصل في 18 سبتمبر بربع نقطة مئوية وهذا الخفض ليس له أثر على نتائج الربع الثالث، والمبررات التي ذكرتها في خطأ المحللين نجدها واضحة في توقعاتهم لنتائج مصرف الراجحي حيث إن المصرف حقق نتائج تفوق توقعات المحللين بأكثر من 8 % مع أن المتعمق في التحليل المالي يجد أن مصرف الراجحي هو من أقل البنوك تأثراً بخفض سعر الفائدة نظراً لطبيعة نشاطه التمويلي حيث إنه يعتمد بشكل كبير على تمويل الأفراد التي عادة تحصل على التمويل بأسعار فائدة ثابتة كما أن نسبة تعثر القروض لديه ضعيفة جداً لنفس السبب وهو تمويل الأفراد الذي يتم ضمانه بتحويل الراتب، مثل هذه الأخطاء في التوقعات في قطاع مهم للسوق والتغيرات فيه واضحة لا تحتاج إلى مجهود كبير لمعرفتها، وقد تسببت التوقعات الخاطئة إلى تراجع أسعار أسهم القطاع المصرفي والذي أثر بدوره على مؤشر السوق السعودية ولقد لاحظنا القفزة الكبيرة لأسهم البنوك بعد اكتمال إعلان النتائج واطمئنان المستثمرين على الأداء الجيد للبنوك بتحقيق أرباح عالية تجاوزت بشكل واضح الأثر السلبي من تبعات خفض أسعار الفائدة وإن تراجعت بعض أرباح البنوك إلا أن السبب هو زيادة في مخصصات القروض المتعثرة والتي ساهمت بشكل رئيس في ذلك التراجع. هل ستتأثر أرباح البنوك خلال الربع الأخير بخفض سعر الفائدة والذي وصل إلى 75 نقطة أساس في نهاية شهر أكتوبر وقد يصل إلى 100 نقطة أساس في نهاية شهر نوفمبر؟ أعتقد أن معظم البنوك لن تتأثر وهنالك أسباب ربما ذكرتها في تقريري السابق بعنوان (هل تتوسع البنوك السعودية في عمليات الإقراض لمواجهة تأثير خفض الفائدة؟) وأضيف عليها في تقريري هذا عملية اكتتاب شركة أرامكو التي قد تضيف إيرادات عالية للبنوك السعودية نتيجة التدفقات النقدية من عملية الاكتتاب التي ربما تتجاوز 100 مليار ريال بالإضافة إلى نحو 300 مليار ريال عبارة عن تسهيلات بنكية محتملة للمكتتبين والتي قد ترفع نسبة نمو محافظ الإقراض لدى البنوك السعودية وعملياً لديها مجال للتوسع في منح الائتمان حيث تشير آخر الأرقام أن نسبة الإقراض إلى الودائع لم تتجاوز 78 % وهو ما يعطيها حرية في منح المزيد من التسهيلات سواء للصناديق الاستثمارية أو حتى المكتتبين الأفراد، البنوك أيضاً بدأت تبحث عن شرائح جديدة من العملاء الذين يرغبون في الاستفادة من التمويل البنكي وليس لديهم القدرة على الحصول عليه بسبب الشروط التي تتطلب وجود ضمانات مثل تحويل الراتب، حيث توجهت بعض البنوك الآن لمنح هؤلاء العملاء قروضاً في حدود 50 ألف ريال وبفائدة عالية لتغطية الخسائر الائتمانية المتوقعة من هذا التمويل عالي المخاطرة، كذلك استخدام بطاقات الائتمان في منح تمويل في حدود 15 ألف ريال وهو تمويل دائري يتجدد مع سداد جزء من التمويل السابق وهذا التمويل أيضاً نسب الفائدة فيه عالية ولكن يحبذه العملاء لسهولته وتغطيته لاحتياجاتهم المالية البسيطة. خفض أسعار الفائدة ليس بالضرورة أن يكون سلبياً للقطاع البنكي؛ لأن أسعار الفائدة العالية تجعل الشركات تعزف عن الحصول على قروض جديدة وتأجيل توسعاتها بسبب الكلفة العالية وعدم الجدوى الاقتصادية ولكن الأسعار المنخفضة للفائدة تشجع الشركات على تطوير أنشطتها والحصول على قروض جديدة وتحريك عجلة الاقتصاد والتي سوف تستفيد منها البنوك إيجاباً حتى مع خفض الفائدة وقد لاحظنا في العامين الماضيين ضعف نمو محافظ الإقراض بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. توقعات المحللين حسين بن حمد الرقيب