تختزن المدينةالمنورة بين دفتيها المشرعة إرثا إسلاميا عظيما، يتوسطها المسجد النبوي الشريف مهوى أرواح المسلمين وقلوبهم، تفوق بغناها الإيماني وسكينتها بلدان الدنيا، فهي مهاجر النبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم- وعاصمة الإسلام الأولى ومنطلق الرسالة العالمية، تملكت المهج وأسرت الأفئدة، يفوح شذاها عطرا وتخالج نفحاتها الأنفاس. ومع بدء توافد الحجيج إلى الديار المقدسة، تندفع الأشواق لتسابق محركات الطائرة حتى تهبط في مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي، صبابة لا توصف، وحب يتجلى بدموع مهراقة، وجباه ساجدة في بهو صالة القدوم، واحتفال مهيب بوجوه متهللة، وأصوات عذبة للعاملين والعاملات في خدمة وفود الرحمن "طلع البدر علينا، من ثنيات الوداع.."، تحكي المشاهد والصور حرارة اللقاء وعفويته، تتصافح الأيدي وتتعانق الأرواح، وتنثر الورود والأطياب، وتقدم التمور والحلوى بأنواعها. وما إن يضع حجاج بيت الله الحرام أمتعتهم في المساكن المهيأة لهم حتى تنساق قلوبهم نحو المسجد النبوي الشريف، وهناك تنجلي كل صعوبات الحياة وتتلاشى سريعا وتسري الطمأنينة مجرى الدم، فترتفع الأكف للصلاة في الروضة الشريفة البقعة الطاهرة ومظن إجابة الدعاء يتقدمها المحراب النبوي، أقدس مكان شرف بسجود النبي الأعظم، ويتيامنها المنبر المحب الذي حن وبكى شوقا لرسولنا الكريم، وإلى يساره حجرات أمهات المؤمنين، وسوار وأساطين تروي قصصا لوحي السماء والآل والصحب الطيبين، وخوخة الصديق التي أبى النبي عليه السلام أن تسد وهو في مرضه الأخير، وأبواب كانت ملتقى ملائكة السماء، ويتصدر طهر المكان المواجهة الشريفة فتتحشرج الكلمات، وتفيض الدمعات حبا، وتتلى الزيارة صلاة على النبي وسلاما على صاحبيه. وما إن تنتهي الزيارة حتى تأخذ عمارة الحرم الشريف بلب الزائر ليشهد عناية فائقة ورعاية لا نظير لها، من دولة جديرة بهبة الرحمن لها أن تكون راعية المقدسات الإسلامية، ويرى كيف تحرت في عماراتها المتتالية، وتوسعاتها المتلاحقة، الحفاظ على المعالم والمواقع، وكيف شيد البناء بأبوابه الضخمة، وعلته المآذن صوب السماء، وتوسطت الأسقف قباب ثابتة وأخرى متحركة، ووشيت الجدران بالنقوش والزخارف. وما إن يهم الحاج بالخروج من المسجد الشريف حتى تمتد الساحات أمامه في جميع الاتجاهات مظللة ب 182 مظلة تقي المصلين وهج الشمس ووقدة الصيف وهطول الأمطار، وكلما امتد المسير وجال وفود الرحمن كانت الشواهد أبلغ من الحديث، تترائى كنوز التاريخ الإسلامي، فأمتار معدودة إلى سياج الغرقد المدفن العظيم الذي يضم آل البيت والصحب رضوان الله عليهم، وهنا وهناك مساجد الصديق والفاروق وعلي بن أبي الطالب ومصلى الغمامة، وطريق قباء "درب السنة العتيق" الذي بث الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينةالمنورة الحياة فيه بفكره الوقاد وإصراره الدائب على التطوير، مستنيرا بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الشغوف بالتراث والثقافة، وأينما اتجه الحاج والزائر شاهد مآثر طيبة الطيبة، إن كان صوب أول مسجد أسس على التقوى أو في ساحة الخندق أو قبالة أحد أو في وادي العقيق وبطحان، تاريخ إنساني عظيم، يجعل المملكة فريدة في كل ما حباها الله عز وجل وخصها به دون غيرها، مستخلفا عليها ملوك أمناء لا يفخرون بشيء فخرهم بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما. زائر قدم من أقاصي الأرض مشتاقاً لزيارة النبي الأعظم حجاج يقفون على جبل الرماة قبالة مزار الشهداء عند عتبات الحرم الشريف تتحقق الأمنيات مشاعر فياضة وأمنيات تحققت استقبال حافل لضيفات الرحمن