العلاقات السعودية - الهندية تقوم على إرث تاريخي عريق ومصالح مشتركة تغطي مساحات واسعة من الاهتمامات؛ يأتي في مقدمتها الحرص المشترك على الاستقرار، لاسيما في منطقة آسيا، والاعتراف المتبادل بأهمية الآخر.. في ندوة «العلاقات السعودية الهندية التاريخ والواقع والمستقبل» المقامة ضمن البرنامج الثقافي الذي يرافق (الجنادرية 32) في إطار استضافة جمهورية الهند ضيفة شرف على دورة هذا العام التي أقيمت بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق الإنتركونتننتال بالرياض، وتناولت العلاقات التاريخية القديمة العربية الإسلامية والهندية والحاضر والمستقبل في العلاقات السعودية الهندية، وقد تطرق د. نالين سوري مدير عام المجلس الهندي للشؤون الدولية إلى الجانب التاريخي في العلاقات السعودية الهندية والذي أعاده تاريخيًا إلى عدة قرون. ولعل من دواعي العرض المنهجي للعلاقات السعودية الهندية الوقوف على الجانب التاريخي، ذلك أن العلاقة التاريخية القديمة أثرت إيجابًا في نوعية العلاقة في العصر الحالي، فنتائج تاريخ القرون الماضية تضيف كمية هائلة من التجارب والتقارب للعصور والمجتمعات الحديثة، فقد شهدت الهند تحولًا كبيرًا بعد تداخلها العربي الإسلامي وتفاعلها مع مختلف المجالات العقدية والحضارية والثقافية. ذلك أن التأثير العربي الإسلامي للهند جاء على مختلف الأدوار التاريخية التي مرت بها شبه القارة الهندية. فمن المعروف تاريخيًا أن الهند مرت بثلاثة أدوار تاريخية تشكل الدور الأول في الفترة الزمنية الطويلة الممتدة منذ أقدم العصور وإلى العام 1947م حيث كانت تشمل رقعة جغرافية واسعة ضمت كلًا من الهند الحالية وباكستان وبنغلادش وبورما وبوتان ومالديف ونيبال وسريلانكا. أما الدور الثاني فقد بدأ من العام 1947م ويضم الوحدة الجغرافية التي تتكون من الهند الحالية وباكستان وبنغلادش. ويتركز الدور الثالث والأخير في جمهورية الهند الحديثة.. وهذه الأدوار الثلاثة التي مرت بها الهند في تاريخها الطويل كانت الهند فيها على علاقة وثيقة بمجتمع الجزيرة العربية والتاريخ العربي الإسلامي. فقد كانت الحضارة الهندية مرافقة للحضارة العربية الإسلامية عبر عصورها التاريخية منفتحة عليها متفاعلة معها، وكانت الهند عبر تاريخ جوارها الطويل والراسخ والممتد على بحر العرب تقيم مع جزيرة العرب أوثق الروابط الاجتماعية والاقتصادية، وقد استفادت جزيرة العرب من جوارها مع الهند في ترسيخ بنيتها التجارية فضلًا عن العلاقات الاجتماعية التي خلقها جو التبادل التجاري، بيد أن هذه العلاقات لم تكن أحادية الجانب بل كانت علاقات ثنائية شكلت أداة جذب للثقافتين العربية الإسلامية والهندية، فالاتصال ما بين جزيرة العرب وشواطئ الهند الغربية بدأ منذ عهد قديم، وقد مكن هذا الاتصال من هجرة جاليات عربية واستيطانها على شواطئ الهند لأغراض تجارية، كما مكن جاليات هندية من الاستيطان في الساحل الجنوبي لجزيرة العرب، وكان لهذه الجاليات نفوذ في الحياة الاجتماعية والتجارية، كما مكن هذا الاتصال السفن العربية من الإبحار - انطلاقًا من سواحل البحر الأحمر أو السواحل الجنوبية - نحو مصب السند أو ساحل مليبار وكولم والموانئ الأخرى، وبالمقابل كانت السفن الهندية تقوم برحلات تجارية ما بين الهند وشبه جزيرة العرب، وكان التجار والبحارة العرب على علاقة بالمدن الهندية على ساحل بحر العرب. وكانت مكةالمكرمة - آنذاك - مركزًا ومجتمعًا تجاريًا وحضاريًا، وكان التجار والبحارة الراحلون والغادون ما بين مكةالمكرمة ومراكز التوزيع التجارية في مليبار ينقلون إلى تلك المراكز والموانئ البضائع والدين الجديد. لقد كان لذلك الحوار التاريخي الطويل والعلاقات التجارية والتلاقح الثقافي الثقل الكبير في التقارب الحضاري الذي رسخ بنية العلاقات السعودية - الهندية على اعتبار أن ذلك التقارب الحضاري شكل نوعية العلاقة في العصر الحالي، فالمملكة ذات وزن سياسي واقتصادي عالمي تحظى باحترام الجميع وتقوم بأدوار متعاظمة الأهمية في خدمة الأمن والسلم الدوليين، ولها دورها الكبير في استقرار منطقة آسيا. لذلك فالعلاقات السعودية - الهندية تقوم على إرث تاريخي عريق ومصالح مشتركة تغطي مساحات واسعة من الاهتمامات يأتي في مقدمتها الحرص المشترك على الاستقرار لاسيما في منطقة آسيا والاعتراف المتبادل بأهمية الآخر. وهذه العلاقة الثنائية على مستواها الديبلوماسي لم تنقطع منذ بدأت العام 1948م، بعد عام واحد من استقلال الهند، حين وضع الملك فيصل - عندما كان وليًا للعهد - اللبنة الأولى للعلاقات السعودية - الهندية عندما قام بأول زيارة رسمية للهند. وفي العام 1955م توسعت العلاقات السعودية - الهندية على إثر الزيارة الرسمية التي قام بها الملك سعود. وفي العام 1956م قام رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو بزيارة رسمية إلى المملكة، كما قامت رئيسة الوزراء أنيدرا غاندي بزيارة رسمية مماثلة إلى المملكة العام 1982م. وفي العام 2004م قام الملك سلمان - حفظه الله - بزيارة رسمية إلى الهند أثناء ولايته للعهد لتوطيد العلاقات الثنائية وتعميق الشراكة مع الهند. وفي العام 2006م قام الملك عبدالله بزيارة تاريخية للهند، وكانت تلك الزيارة نقطة تحول في العلاقات الثنائية نتج عنها إعلان دلهي. وفي العام 2010م قام رئيس وزراء الهند مانموهان سينغ بزيارة رسمية إلى الرياض وتوقيعه وثيقة إعلان الرياض التي نقلت البلدين من مرحلة التعاون والصداقة إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية. هذا فيما يتعلق بلقاءات القمة فضلًا عن العلاقات الديبلوماسية على مستوى وزراء الخارجية والسفارات والمبعوثين الخاصين والعلاقات شبه الديبلوماسية التي يخلقها جو التبادل التجاري حيث تعد المملكة رابع أكبر شريك تجاري وأكبر مورد للنفط الخام للهند، وتعد واحدة من الأسواق الرئيسة في العالم للصادرات الهندية. Your browser does not support the video tag.