قدّم الناقد سليمان السلطان خلال الحلقة النقدية التي نظمها نادي جدة الأدبي مؤخراً، ورقة نقدية بعنوان "فلسفة الأسطورة" قال فيها بخلاف الرأي الشائع: الأسطورة ليست رديفاً للخرافة، بل هي تصور واقعي للعالم والحياة والإنسان، وكما يقول"نورثراب فراي": إن الأسطورة هي التي تعبر عن الواقع الاجتماعي. لكن هيمنة العلم على الطابع المعرفي للإنسان الحديث أزاحها عن مكانتها المعرفية، وأفضى ذلك كما يقول فراس السواح في "مغامرة العقل الأولى" إلى "الازدراء الكامل لها"، وذلك راجع كما تؤكد على ذلك "كارين أرمستورنغ" إلى أن تبلور المنهج العلمي في القرن الثامن عشر جعل اهتمامنا ينصب على حقيقة وقوع الحادثة لا دلالتها التي اهتم بها الإنسان قديماً والتي عبرت عنها الأسطورة. لكن هناك رؤى عديدة انتصرت للأسطورة ضداً للعقل العلمي، وكشفت الغطاء لا عن البعد العقلاني وحسب، بل كذلك البعد الأسطوري في العقل. وأضاف السلطان: في تاريخ الفلسفة لم يكن للتفكير الفلسفي أن ينشأ لولا الأسطورة، فمما هو معلوم أن الفلسفة الإغريقية التي نشأت في القرن الخامس تأثرت بالأساطير في تصورها عن الكون، فتصور طاليس أن أصل الكون هو الماء نجد صداها في أساطير الخلق التي ظهرت مبكراً جداً في حضارات ما بين النهرين. واستطرد: إن التفكير الأسطوري ذاته ليس منفصلاً عن التفكير الاستدلالي والبرهاني الذي يزعم الخطاب العلمي والفلسفي أنه يمثله أكبر تمثيل. ونقدر أن نلحظ ذلك فيما أسماه أرنست كاسيرر "الفاعلية العقلية"، فالعقل لا يعمل بمنأى عن شيئين اثنين: اللغة والرموز. وأكد أن هناك صلة واضحة بين اللغة والأسطورة، عند التحليل السيموطيقي نجد أن بنيتهما واحدة، فاللغة هي منظومة من العلامات "الأصوات" والأسطورة هي منظومة من العلامات "الرموز" مثل "الغول والقطرس"، ومن ثم فإن بنيتها عقلية، تقارب بين هذه الرموز من ناحية التشابه والاختلاف تماماً كما هي اللغة لدى دو سوسير، وهذا ما دعى إليه "ليفي سترواس": أن يحلل الآلاف من الأساطير باعتبار أنها مادة تضمر نسيج عقلاني لا يقل منطقية عن التفكير العلمي والفلسفي. وأبان السلطان: وفي الطرف الآخر نجد صلة وثيقة بين الأسطورة والعقل من خلال المجازية، كل من اللغة والأسطورة يعبران بلغة مجازية عن كثير من الأفكار، والمجاز ليس فن من فنون البلاغة وحسب، بل هو مقاربة منطقية تقوم على القياس التمثيلي، أي ربط شيئين مع بعضهما البعض لوجود تشابه بينهما، ولا يكون ذلك إلا من خلال التفكير المنطقي العقلي، وكما أن الأسطورة نسق من الرموز فإن اللغة كذلك، والعقل من ثم يتعاطى مع رموز اللغة "الأصوات" بنفس الكيفية التي يتعاطى بها مع "الرموز" الأسطورية، ومن هنا نجد أن العلاقة ما بين اللغة والأسطورة علاقة متينة تكاد تبلغ حد التماهي فيما يتعلق بدورهما في التواصل، فالإنسان يعبر عن معانيه العقلية من خلال تصورات حسية، وكذلك تفعل الأسطورة.