(جيوفاني فيناتي.. حياته ومغامراته في جزيرة العرب) الصادر حديثا عن (دار بلاد العرب للنشر والتوزيع) بالرياض, لمؤلفه الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الله آل زلفة, أستاذ علم التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض, وعضو مجلس الشورى السعودي سابقا. تمت طباعة ونشر هذا الكتاب بمطابع (جون موري) بلندن عام 1829م, والتي عرفت باهتمامها في نشر كثير من كتب الرحالة. ويشير المؤلف, المحقق لأهمية هذا الكتاب, ومحتواه القيم وندرته، بقوله في مقدمته التي تصدرت الصفحات الأولى منه: (نحن بتقديم هذا الكتاب الى القارئ السعودي والعربي, أمام قصة شاب من ايطاليا, دفعه القدر لخوض مغامرة عجيبة في حياته, لم يسع اليها, ولم يخطط لها, بل قدره دفعه لخوضها, ومن حسن حظنا أنه سجل وقائع مغامراته التي دفع اليها دفعا لنجد فيها تسجيلا لوقائع أحداث كانت بعض أجزاء من بلادنا مسرحا لوقوعها. كان جيوفاني فيناتي مع الدفعة الأولى من جيش محمد علي المتوجه الى الحجاز بقيادة طوسون باشا بن محمد علي . يقص بشكل مفصل استيلاء جيش محمد علي على ينبع, ثم قصة أول التحام بين جيش الدولة السعودية الأولى, وبين جيش المصريين في مضيق الصفراء والجديدة وكيف انتهت بهزيمة منكرة لجيش طوسون باشا. ولم نعثر في أي مصدر على وصف لوقائع هذه المعركة أفضل مما نجده في قصة جيوفاني الذي كان مشاركا فيها. بعد ذلك تحدث بشكل تحليلي ووصفي لوضع الجيش المهزوم, ونجاته هو شخصيا بأعجوبة, ثم مرضه وعودته الى مصر, ثم عودته مرة أخرى الى الجزيرة العربية جنديا مقاتلا, ووصول امدادات جديدة من القاهرة. ثم يأتي على ذكر معارك كثيرة شارك فيها, ولعل أهمها معركة القنفذة , وتعرض المصريين لهزيمة ماحقة على أيدي العسيريين. ويصف بشكل تراجيدي كيف نجا بجلده, وكيف ساعده بعض سكان الساحل في العودة سالما ماشيا على أقدامه الى مكة,التي كان محمد علي باشا قد وصل اليها ليدير دفة المعارك بنفسه بعد تعرض جيشه لكثير من الهزائم المتلاحقة , خاصة ضد الجبهة الجنوبية العصية, وكيف انتصر الباشا أخيرا في معركة( بسل) جنوبالطائف, حيث كان يقود الجيش السعودي فيصل بن سعود الكبير جنبا الى جنب مع القيادات الجنوبية). انتهى كلامه. هذا وقد قام المؤلف الايطالي (فيناتي) المؤلف الأصلي لهذا الكتاب, في نسخته المخطوطة بتقسيم مادة كتابه هذا الى سبعة فصول أساسية, بدأها بالحديث عن حياته وسيرته الشخصية في الفصل الأول, ثم تطرق فيما تلا ذلك من فصول الكتاب للحديث عن دخوله في خدمة جيش محمد علي باشا والي مصر في ذلك الزمان, وعن استعدادات الحملات العثمانية للتحرك وغزوها للجزيرة العربية, والنتائج المترتبة عليها, وانتهاء بالفصل السابع - وهو الأخير- حيث تحدث من خلاله عن الأوضاع السياسية وترديها في مصر بعد انقضاء تلك الحملات على الحجاز وعسير وأجزاء متفرقة من اقليم نجد, وما آل اليه وضع الدولة العثمانية من ضعف لدى تمرد جنودها على واليها محمد علي بالقاهرة, مما يوحي بنهاية حكم هذه الأسرة الحاكمة بمصر, وتنحيها عن كرسي السلطة فيها. ان هذا الكتاب القيم ,الذي قام ناشره الأول بطباعته من مخطوطته الأصلية باللغة الانجليزية , ومن ثم قام ناشره الثاني ومحققه الدكتور (آل زلفة) بترجمته للعربية ونشره فيما بعد, انما هو في عداد الكتب النادرة التي كانت بعيدة عن القارئ العربي,وهو بالتالي يعد مساهمة فاعلة في نشر ما لم يتم نشره مما كتب عن بلادنا بلغات أجنبية, لكوننا أولى من غيرنا بالاعتناء والبحث عما كتبه الآخرون عنا وعن بلادنا ودراسته وتحقيقه, ثم نشره. ومن الواضح ان المحقق قد بذل مجهودا كبيرا مضنيا استمر سنوات طوالا في تحقيق مادة هذا الكتاب, ممحصا وشارحا ومفصلا ومحللا, ليكون في ذلك بمثابة الوسيط المساعد بين المؤلف الأصلي وبين القراء في ايصال محتواه اليهم بسهولة ووضوح ويسر. ويتضح ذلك من هوامش الكتاب وحواشيه التي تناول فيها المحقق ازالة بعض ما غمض فهمه أو ما يمكن أن يلتبس على القارئ فهمه حول موضوعه. والتحقيق – كما هو معلوم لدينا – علم واسع ومستقل بذاته, له قواعده وأسسه التي ليس من السهل الالمام بها من قبل أي باحث أو دارس ما لم يكن على علم ودراية وخبرة كافية في مجال تحقيق المخطوطات, وأساليب استعراضها وشرحها وتحليل مادتها, ومن أوتي مقدرة وبسطة في العلم والاطلاع على تراث الشعوب وحضاراتها المختلفة. كما يتضح لنا أيضا مهارة محقق هذا الكتاب, وأمانته وصدقه وحرصه الشديد أثناء التحقيق بطريقة تشبه وضع النقاط على الحروف. وبالتأكيد فان انتهاج مثل هذا الاسلوب التمحيصي الدقيق في تحقيق المخطوطات والكتب القديمة لا شك أنه مفيد في تصحيح بعض الأخطاء والمغالطات التاريخية التي نقلها المستشرقون والرحالة الغربيون والأجانب عن مجتمعاتنا في شبه الجزيرة العربية الى مجتمعاتهم وبلغاتهم, خاصة في عصور الاستشراق وتصحيح مثل هذه المغالطات أو تصويبها, سواء كانت بقصد أو عن حسن نية ومهما كانت صفتها. قراءة: حمد حميد الرشيدي