(ولا تفسدوا في الأرض..) (الآية) فيها توجيه وأمر رباني واضح بالابتعاد عن الفساد، كل أنواع الفساد ممنوعة لمضارها المتعددة، ولكن الفساد شئنا أم أبينا انتشر وعمّ وملأ الأرض والبحر، وظهرت نتائجه السيئة على كل المجتمعات. وللنهوض ضد وباء الفساد أصدرت هيئات الأممالمتحدة مواثيق ومعاهدات دولية تحظر الفساد وكل ما يرتبط به أو ينتج عنه، كما تم وضع القوانين في كل الدول لمحاربة الفساد والوقوف في وجهه، وتمت محاكمة الكثير من المفسدين، ولكن الوباء ظل في انتشار متواصل ويدخل عبر عدة مسامات وبشتى المسميات. إن المملكة في عهد خادم الحرمين - يحفظه الله - بدأت مرحلة جديدة من التطوير والتنمية في كافة المجالات، وتحقيقاً لذلك فقد أفصح في أول كلمة له عند توليه مقاليد الحكم عن إرادة وعزم وحزم لا يلين في مكافحة الفساد وحماية النزاهة، وانطلاقاً من هذه الإرادة وجه – أيده الله - بمراجعة كافة أنظمة الأجهزة الرقابية بما يؤدي إلى تفعيل اختصاصاتها والقيام بما يتطلع إليه لهذا الوطن من جعله نموذجاً يحتذى به في كافة المجالات. وفي ضوء هذه التوجهات والدعم والاهتمام الذي يوليه - حفظه الله - للجهات المختصة بمكافحة الفساد، ويسنده في ذلك سمو ولي العهد، فقد قامت الجهات المختصة بمكافحة الفساد بالعمل والتعاون على تنفيذ مسؤولياتها، حمايةً لمصالح المواطنين في جميع المجالات، واستشعاراً لخطورة الفساد وآثاره المستقبلية على هذه الدولة سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً. وهذا النهج يشكل أحد مرتكزات المملكة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن المال العام يجب أن يدار بكفاءة لتحقيق المصالح العامة، وألا يُتسامح في هدره أو استغلاله لمصالح شخصية، بما يكفل إدارته بالنزاهة والعدالة والمساواة ويحقق الأهداف والغايات التنموية لرؤية المملكة 2030 لاقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي ووطن طموح. ومما لا شك فيه أن رسالة ولي العهد - حفظه الله - في محاسبة الفاسدين وتعقبهم كانت واضحة وحازمة بأنه لن يفلت أحد من المحاسبة والمعاقبة متى ثبت تورطه في قضايا الفساد، خاصة وأن مكافحة الفساد تأتي ضمن منظومة الإصلاح الشاملة التي تشهدها بلادنا في كافة الميادين للرفع من كفاءة العمل وجودته وفق أفضل المواصفات من خلال استثمار الموارد المتاحة بعيداً عن الهدر والاستغلال.. وهذا سيكون له أثر إيجابي على الجميع بإعادة الأموال المنهوبة من دون وجه حق للاستفادة منها في مشروعات التنمية، وردع من تسول له نفسه استغلال المال العام والإثراء والتكسب غير المشروع.