يحدث الان وعلى الجانب الإبداعي في مواقع التواصل الاجتماعي الضجيج والصخب والشغف بالضوء الذي هو الملمح الأهم لهذه المواقع الافتراضية لكن في الضفة الأخرى توجد هناك المدونات الذي يعيش اصحابها في عزلة افتراضية وكأنهم متصوفو الانترنت. فغالبية المدونات الثقافية ما زالت تتحلى بذلك الرتم البطيء وما تزال تقدم المادة الثقافية المتنوعة وكأن أصحاب تلك المدونات لهم زمنهم الخاص يسلكون الطريق القديم في التعبير عن شغفهم بالمقالات المطولة عن القراءة والكتابة وتذوق أطياف الموسيقى والسينما. * لماذا تم انشاء هذه المدونة وما هو التصور العام لديك عن المدونات؟ * المدون احمد با دغيش صاحب مدونة بدغشة يعتقد بأن بداية إنشاء المدونات كان بسبب الرغبة في التعبير ويقول" على الأقل كان ذلك هو الحال معي، كانت حالة من الشعور بالمسافة بين الواقع والمأمول، ووجب التعبير عنها. وبطبيعة الحال، كلٌ سيعبر عن المواضيع التي تهمه بشكل أكبر". المدونة وضحى علي تقول: لا أعرف ما الذي دفعني بدايةً إلى إنشائها! كنتُ قبل خَلقها قد انضممت إلى مجموعة صديقات عزمنا أن نفرد عضلات الكتابة في مدونة. لكنها لم تتمّ عامها الأول إلا وقد كانت طيّ الحذف. بعدها دفعني إلحاح الأصدقاء على إنشاء مدوّنة تضم في قلبها نصوصي القليلة. وبعد فترة أزمعت أن أجعلها صندوق قراءاتي لما يدهشني من الكتب. لقد اعتمدتُ لسنوات طويلة على موقع "قودريدز" لنشر مراجعاتي للكتب، إلا أنني وجدتُ ألّا ضير في نشرها أيضاً في مدونتي حيث المتابعون الراغبون في قراءتها ممن يرغبون عن "قودريدز"، وهم كُثر. وتضيف وضحى علي: المدونات دورٌ غنيّة يجد فيها المتابع متعته وضالته اعتماداً على محتواها الذي تقدمه. بعض المدوِّنات أخذت طابع القصة القصيرة وأخرى لتدوين الرحلات وتفاصيل المدن وخباياها. بعضها تنقد وتفصل الأعمال الأدبية. لستُ من المتابعين المثابرين ولكن عرّجتُ على ما وجدت فيه الدهشة والفائدة. فاطمة إبراهيم إحدى المدونات ولديها مدونة باسم عصفورة كان محرضها في التدوين تلمس رأي القارئ فيما تكتب حيث ترى المدونات كمنصات حرة للكُتاب وبفضائها اللامحدود تمنح الكاتب ما يحتاجه من حرية ليبدع ويستمر ويكون طليقاً وتقول فاطمة: كان هدفي في بدايات التدوين والمشاركة في المنتديات لمعرفة رأي القارئ فيما أكتب. وما زال هذا الهدف قائماً خاصة للتدوينات المنتمية لمجال القصة. وتضيف المدونة فاطمة بأن هناك كتاباً أثر في طريقة تعاطيها مع الكتابة في المدونة فتقول: في 2011 ومثل خبطة على رأسي قرأت يوميات القراءة لمانغويل وتغيرت حياتي، فبدأت بتدوين يومياتي الخاصة عن القراءة والكتابة بانتظام ولعلها تصير في النهاية كتاباً كاملاً كما حصل مع أغوتا كريستوف وروايتها الدفتر الكبير. مواقع التواصل الاجتماعي وتراجع المدونات: في فترة سابقة كانت للمدونات حضور في الانترنت ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي تلاشى هذا الحضور احمد بادغيش يبرر هذا التراجع بقوله: أعتقد أن تراجع المدونات يرجع إلى عدة أمور، يمكن القول إن أحد أهمها هو ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يُمكن اعتبارها "مواقع تدوينات قصيرة". كما يضيف سبب اخر وهو تكرار المواضيع، هذا أمر نشهده حتى في مواقع التواصل الاجتماعي. المواضيع التي يُكتب عنها محدودة جدًا، وتكاد تكون مستنزفة. وأيضًا لا أنسى ذكر أن المدونات في ظهورها الأول، مثلها مثل جميع الأمور، تفقد بريقها بعد أيام. وسيبقى للتدوين من يحبه. أما المدونة وضحى على فهي تعتقد بأن الآن، المعلومة تصل خفيفة وسريعة. العالم في ركض لا قِبل لنا باللحاق به كما نريد. ربما يُختصر سرد من بضع صفحات في مقطع فيديو لا يتجاوز الدقيقتين. تجد هذا الشحّ التعبيريّ حيث تجبر على 140 حرفاً على سبيل المثال في تويتر، يجبرك على تقليص الكلام حتى ترغب عن إبداء رأيك بإسهاب. لذا، قد يجد المدوّن-الذي لا منبر له-فضاء المدونات أرحب. أما المدونة فاطمة إبراهيم لديها رؤية مختلفة لأنها تعتقد بأن عالم المدونات كان متوهجاً في بداياته ثم خبا وعاد في الآونة الأخيرة، لقد أدرك المدونون أن تويتر وأشقاءه سيقتلون النمط المتمهل اللذيذ للتدوين والمدونات، وما أنطوى من ترك التدوين من فقر للمحتوى العربي الإبداعي، لذا عاد مدونون قدماء وضُخت دماءٌ يافعة وجديدة ومتحمسة، فيما بقي البعض من المدونين الأصليين مستمرين ومتوهجين في تدويناتهم المتنوعة . المدونة مكان للتأمل في تفاصيل الابداع أم ما هو مكان للتمارين الكتابية؟ المدون أحمد بادغيش يقول: بالنسبة لي، مدونتي الشخصية هي مملكتي الكتابية. لا أخشى من الرقابة أو رأي الآخرين كثيرًا، فعزوف الجمهور عن المدونات بالفترة الحالية، له إيجابيات، هذا هو أهمها وأعتقد بأن المدونة هي المكان الذي أختبر ذاتي كتابيًا لأقصى حد، وقد أخترع شكلًا أدبيًا جديدًا. في النهاية، فصاحب المدونة يعلم بأن كتاباته ليست مخلدة كما لو كانت في الكتب، ويمكن تعديلها وحذفها. إن كان البعض يعتقد بأن النصوص المكتوبة هي مُلك للقارئ، فالتدوينات هي علاقة تفاعلية، يملكها كل من القارئ والكاتب. المدونة وضحى على تقول: بين هذا وذاك. المدوِّن حسب ميوله-يتبع التفاصيل، وبكلماته يومض للقارئ هنا وهناك عن مخابئ الجمال في المادة تحت النقد إن كانت لوحة فنية، قطعة موسيقية، أو كتاب يراه حقيقاً بالقراءة. ومع كل نص ينشره يجدد نشاط حروفه ومخزون كلماته. المدونة فاطمة إبراهيم: مزيجُ من هذا وذاك فالمدونة بيت وملاذ في العالم الافتراضي بالنسبة لي، مساحة بلا حد للانفراد والتوحد مع الذات والكتب ومزاجات القراء، في فورة التدوين في البداية كان التفاعل من القُراء وتعليقاتهم على التدوينات محفزاً لتقديم مادة جديدة كل فترة في المدونة، ومع تقادم الوقت وتراجع التدوين أمام منصات التواصل الاجتماعي خبا أثر هذا الحافز وأصبح فعل الاستمرار بالكتابة نابعاً من داخلي وفعلاً حياتياً روتيناً يكتمل يومي به. * ما هي السمة الغالبة على المواضيع التي تنشرها في مدونتك وهل نشر المواد بانتظام؟ * المدون احمد با دغيش: أوائل تدويناتي كانت تميل إلى الإصلاح الاجتماعي. كلها أمور بسيطة نلمسها في حياتنا اليومية، وكنت أبدي رأيي فيها بشكل أسبوعي. ولكن بعدما اكتشفت ميلًا أدبيًا، صرت أكتب بفترات متقطعة، كلما انتهيت من أحد النصوص، قمت بنشرها. طبيعة كتاباتي الآن، هي محاولات للقضاء على بعض المشاكل التي أراها في كتاباتي، أو لنقل بأنها حالة من التدريب المستمر. المدونة وضحى علي: في البداية كانت نصوصا أغرقها من عبق الماضي وأعماق الذاكرة. لم أضع الكثير منها إنما ما شعرت أنني أجد السلوى في الرجوع إليها بين الفينة والأخرى. بعدها شرعت في وضع مراجعاتي للكتب التي أقرأ وأرى أنها جديرة بالقراءة والتوصية. لا أعدّني جادة في التدوين كما ينبغي ولا أكتب بانتظام إنما أستسلم إلى الرغبة في الكتابة حين أنتهي من كتاب أجده جديراً بالذكر. ربما أستعيد لياقتي في مقبل الأيام. المدونة فاطمة إبراهيم: مدونتي أدبية، أكتب القصة وأدون يومياتي العامة وقراءاتي عن الكتب، حالياً أنا ملتزمة بنشر تدوينة شهرياً على الأقل. مدونة وضحى مدونة فاطمة ابراهيم