قبل أيام خلت عُرض عليّ قراءة موضوع، وذلك للاستئناس برأيي، وحينما اطلعتُ عليه، تكشّفت أمامي بعض الهنّات التي أعاقت عملية إتمام هذا المقال، وخروجه بالشكل الذي يستحقه، لاسيّما أن الفكرة المطروحة فيه كانت فكرة مبتكرة، ربما غفل عن تناولها كثيرون وكثيرات من الكُتّاب والكاتبات، لكن المعضلة الوحيدة فيه تتعلق باللغة، ومما لا شك فيه أن اللغة هي الأداة الفعلية للكاتب، وسلاحه الوحيد في هذا المضمار، إذ كان الخلل واضحاً في مجال قواعد اللغة العربية، وهذا الشيء بطبيعة الحال يؤثر بشكل سلبي على طريقة صياغة الجمل، وسلامتها اللغوية والأسلوبية. هذا الموضوع دعاني لتأمل هذا الوضع، ووجدتُ من الأنسب كتابة بعض التوجيهات في هذا المقال الذي أرجو من الله التوفيق، وآمُل أن يبلغ الغاية المبتغاة، وذلك من باب تعميم الفائدة لمن يقع هذا الموضوع بين يديه. الكتابة ليست من الأمور العسيرة الصعبة التي لا يقوى الشخص على ممارستها، فهي مسألة متاحة، وسهلة التناول خاصة إذا استطاع المرء الاستفادة من بعض النصائح المسداة إليه في بداية مشواره في هذا الطريق، شريطة أن تكون تلك النصائح موجهة إليه من ذوي الخبرة، من أولئك الكُتّاب الذين لهم باع في هذا المجال، الذين خاضوا الميادين، وعركتهم التجارب، كما عليه أن يحرص على إيجاد قنوات اتصال يستطيع من خلالها التواصل مع من هم أكبر منه سناً، أو أقدم منه تجربة، على أن يكون هذا الشخص المستشار لديه الدراية في هذا المجال، فاستشارة الجاهل أو الذي لا خبرة له في هذا المجال أشبه بمن يتعلق بحبل مهترئ لا يعلم متى يسقط، أو في أي هاوية سحيقة سترمي به الأقدار، لكن لا بد له رغم الاستفادة من تجارب غيره أن لا يهمل مسألة القراءة التي لا غنى للكاتب والمثقف عنها، فلا يمكنه الاستمرار دون التسلّح بهذا المعين الفكري الفيّاض، فالمرء الذي يكتب دون القراءة تكون لغته ركيكة، ومعارفه الأدبية ضحلة، تفتقر للتعبيرات التي تساعد على الكتابة السليمة حتى لو كان الشخص يملك زمام الفكرة، أو لديه أفكار اجتماعية أو أدبية جادة، علاوة على هذه الأشياء، لا بد من الاهتمام بقواعد النحو العربي حتى يستطيع الكاتب التعبير عن أفكاره، أو نقل جمله الأدبية لجمهور القراء والمتابعين بسهولة ويسر، دون ارتباك في الصياغة، أو تشويش في الفهم. من هذا المنطلق يجب على من يريد خوض غمار هذه التجربة الاطلاع على كتابات الكتّاب وقراءة الكتب المفيدة، وذلك من أجل تحسين لغته الأدبية، وتطوير مهاراته الفنية، ومن بعد ذلك تدوين ملاحظات أو كتابات صغيرة كمحاولات للتمرين، لأن هذه الملاحظات أو الكتابات الهامشية الصغيرة تمثل حركات رياضية كتابية ذهنية ونفسية، تمكّن المبتدئ من تعبيد الطريق، وتساعده على تشكيل عوالمه النثرية، وهي أشبه باللبنات الأولية لقيام المشروع، شريطة الاستمرار والتواصل في هذا الطريق، والحرص على عدم الانقطاع أو التوقف. هناك عدد من النقاط التي لا بد للكاتب من التحلي بها، منها الحماس لعمله، لأن الحماس محفز للنجاح، وكذلك ضرورة المثابرة والدأب. أما حينما يكون الشروع في كتابة أي فكرة أو تدوين ملاحظات معينة عن موقف صادفه الشخص، أو مناقشة كتاب قام بقراءته، فعليه أن لا ينسى أن يكتب كل ما يرد على خاطره من أفكار، وإن كانت غير منظمة، وعليه أن يستعمل قدراته ومهاراته لأقصى حد في اصطياد العبارات والجمل، ثم القيام بتدوينها في قصاصات ورقية جانبية، أو على الوورد، شرط أن لا يشطب شيئاً مهماً كان صغيراً أو هامشياً، لأنه قد يحتاج إليه فيما بعد، وهذا الكلام في حال الكتابة عن كتاب أو قصة قرأتها أن تعيد البحث في القصة أو الكتاب للرجوع لبعض ما تريد من أجل تحفيز ذهنك على الاستيقاظ، وتمكين أدواتك من الكتابة لتدعيم ما تقول في هذه النقطة أو تلك من أمثلة. علاوة على ما سبق الحديث عنه، على من يريد دخول هذا الميدان التحلي بالموضوعية، والابتعاد عن التعصب الفكري، لأنه سيرى الأمور برغبات نفسه لا بعيون عقله، فالموضوعية تجعل المرء أكثر اتزاناً، ينشد الحقيقة، ويحرص على الابتعاد عن كل ما هو مدعاة للتحزّب، كما أن الكاتب المبتدئ عليه عدم الغضب حينما يتم توجيهه بالسر، وبطريقة حسنة، وأسلوب مهذب، لأن البدايات دائماً تكون صعبة، فما يستصعبه المرء هذه الأيام سيكون من الأمور البديهية له في قابل الأيام، فالذي لا يتحمّل مرارة التعلّم لن يستمتع في يوم من الأيام بحلاوة التعليم.