لم يكن المشهد الحضاري الذي شهده قصر الصفا، الأربعاء الماضي، وما تلاه من مشاهد لا تقل روعة في بقية إمارات المناطق، تسابقاً نحو بيعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، إلا استمراراً للنهج الخالد الذي ترسخ طيلة عقود، منذ تأسيس المملكة الحديثة على يد المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ودام طيلة عهود أبنائه الميامين من بعده. هذا المشهد الاختياري الرائع في الانتقال السلس للسلطة في موقعها الثاني، والذي صاحبه تأييد شعبي كاسح للقرار الملكي، يعني امتثالا واضحا لمعنى وقيمة الثقة في قرارات القائد الرمز سلمان بن عبد العزيز، والتي تكشف إستراتيجية عميقة في نقل القيادة لجيل من الشباب الطموح يستطيع من خلالها إفساح المجال للعقول الشابة لتبني رؤيتها الحديثة المتوافقة مع متطلبات شعب يمثل الشباب فيه أكثر من 60%، إضافة لتبني مفاهيم عصر يتميز بالسرعة والحيوية والتدفق. فسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أثبت جدارة قيادية منقطعة النظير خلال الفترة القليلة التي تقلد فيها مناصبه الرسمية، وجاء كخير خلف لخير سلف، فالأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق، أدى رسالته على أفضل ما يكون، وفي مرحلة حساسة من تاريخ بلادنا، واستطاع شبل مدرسة صقر الأمن الراحل، نايف بن عبد العزيز مواجهة خفافيش الإرهاب ونشر الأمن في ربوع وطننا ومن أجل كل مواطن ومقيم.. وكان مشهد بيعته لخلفه الأمير محمد بن سلمان، رداً موضوعياً وعملياً على كل الألسنة التي تناولت بالتشكيك عملية نقل السلطة. ومن هنا، يمكن فهم الأبعاد الإستراتيجية لقرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وكأنها تؤسس صراحة للدولة السعودية الثانية في القرن الحادي والعشرين بكل مقوماتها واحتياجاتها وروافدها العميقة والمتجذرة وفق منهج الحكم السعودي، وعبر نقل السلطة للجيل الثالث والشاب الخبير/ المتمكن في نفس الوقت، وهذا وحده يزيد من مساحات التفاؤل المؤسسي، إضافة الى الحاجة الملحة لوجود توافق قيادي يتماشى مع رؤية المملكة الإستراتيجية 2030، والتي تعتبر في حد ذاتها نقلة نوعية غير مسبوقة في تاريخنا السعودي القديم والمعاصر. القائد الرمز، وهو يؤسس لمشهد نقل السلطة وبهذا الأسلوب الحضاري الراسخ، متبوعاً بمثل هذه الشعبية الوطنية الكاسحة، لا يقدم للعالم وجهاً شاباً ومسؤولاً حصيفاً تمرس في مدرسة سلمان الكبرى فقط، ولكن يزيد من مساحة الاطمئنان والثقة في مستقبل واعد، يمنح الفرصة لشباب الوطن في تبوّء مسؤولياتهم المرجوة بكل كفاءة واقتدار وجدارة، وعندما نرى جميعاً معنا العالم كله نتأكد من أن رصيد الاستقرار الذي نتمتع به يتجذر يوما بعد يوم، ويؤكد أن ثقة المليك في ولي عهده الجديد وحدها كافية لزيادة الأمل في ولي عهدنا الشاب بتحقيق ما نصبو إليه جميعاً من تقدم واستقرار وأم وأمان للوطن والمواطن معاً.