القراءة الهادئة للأزمة الخليجية الراهنة، تدفعنا بالقول أولا ان قطع العلاقات السياسية هو قرار سيادي لكل دولة ويتسق مع مفاهيم العلاقات الدولية ومبادئ القانون الدولي ومن حقها ان تتخذ القرارات التي ترعى مصالحها طالما توفر لديها من البراهين أنها تمثل خطورة على امنها الوطني. ولكن السؤال المهم الذي يتبادر للذهن هو ان دول الخليج اعتادت منذ زمن على أسلوب السياسة القطرية الذي يسير عكس التيار فلماذا اختارت هذا التوقيت لقطع العلاقات؟ ثمة عوامل منها الداخلي والإقليمي والدولي. هذا القرار وبدون أدنى شك جاء لتبعات السياسة القطرية المزدوجة والمتناقضة فهو نتيجة تراكمات كبيرة وليس ردة فعل آنية. صحيح ان لا أحد يرغب في شرخ العلاقات الخليجية لكن الدوحة فرضت على الجميع بأن تصل علاقاتهم بها إلى مرحلة "اللاعودة". شعرت تلك الدول ان امنها الداخلي بات مهددا وان كل جهودها التي قامت بها منذ سنوات في محاربة الإرهاب تبقى ناقصة لان هناك دولاً تدعم وتمول الإرهاب. الأدهى من ذلك أن الدوحة شكلت تهديدا للأمن الجماعي الخليجي بشهادة البيانات الصادرة عن الدول المقاطعة. جاءت التدخلات الإيرانية الفجة أيضا في شؤون دول الجوار بدعم حركات وخلايا لزعزعة امنها كملف خطير قامت الدوحة بدعمه سرا. أضف الى ذلك ان العامل الدولي وتموضع السياسة الدولية الجديد ومزاجها العام يتجه الآن وبعنوان كبير نحو محاربة الإرهاب وقد لمسنا ما خرج عن قمم الرياض التاريخية من تأكيد وعزم تجاه محاربة الإرهاب. ما حدث تجاه الدوحة هو سابقة تاريخية لم تحدث منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي ولكن المسؤولية تقع على عاتق قطر كونها امعنت في السير في مسارات تتصادم مع نظام مجلس التعاون.. استنفد الخليجيون كل الطرق من أجل إعادة قطر لجادة الصواب وتبين أن الالتزام كلمة مفقودة في القاموس السياسي القطري. بلغ السيل الزبى ووصلت الأمور إلى طريق مسدود فكان من الطبيعي أن تتخذ تلك الدول من الوسائل المشروعة ما يساعدها على حماية شعوبها ومقدراتها. السعودية وشقيقاتها خلافهم مع سياسة قطر الخارجية لا شعبها الذي هو منا وامتداد لنا. قرار قطع العلاقات والعزلة السياسية والاقتصادية والموقف الأميركي الداعم لموقف الدول المقاطعة، كلها عوامل مهمة الهدف منها أن تستشعر الدوحة فداحة ما فعلته وارتكبته من أعمال منافية لحسن الجوار وتتعارض مع مبادئ القانون الدولي. ما حدث تجاه الدوحة هو سابقة تاريخية لم تحدث منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي ولكن المسؤولية تقع على عاتق قطر كونها امعنت في السير في مسارات تتصادم مع نظام مجلس التعاون. اما ما قامت به تركيا من إرسال قوات لقطر هو امر مستغرب ولا يوجد له تفسير ولا مسوغ وقد يفهم منه سلوك مستفز قد ينعكس سلبا على العلاقات التركية مع الدول الثلاث المقاطعة رغم تأكيد انقرة انها لحماية امن المنطقة. نأمل ان تركيا لا تخلط المعادلات السياسية ولا تبعثر الأوراق فالمسألة خليجية –خليجية واقحام نفسها بهذه الصورة في الازمة لن يتأثر منه سواها. نشعر ان العناد السياسي القطري لا زال مستمرا ولا يوجد في الأفق ما يوحي بقبول قطر بما جاءت به الوساطة الكويتية للشيخ صباح الأحمد ولم نلمس رغبة جادة في تغيير السياسات المتناقضة فما كان من الدول المقاطعة الا ان قدمت قوائم بأسماء وكيانات متورطة في اعمال إرهابية ومرتبطة بقطر. كانت تردد قطر ان الحملة ظالمة تجاهها ولا توجد أسماء وادلة وبراهين تدينها. الآن وبعد صدور البيان بالأسماء والكيانات فماذا تقول قطر؟ على قطر ان تحسم امرها وتثبت للجميع موقفها الحقيقي. هل هي فعلا ضد الإرهاب وتحاربه ام انها تدعمه وتموله؟ مصداقية الدوحة على المحك والكرة في ملعبها وبالتالي عليها ان تتعامل بجدية مع تلك القوائم، فإما ان تذهب في مسار الإرهاب ومن يدعمه من دول في المنطقة او ان تعود للحضن الخليجي والعربي وتلتزم بما وقعت عليه عامي 2013 و2014 وتنخرط في محاربة الإرهاب مع المجتمع الدولي. هدف الخليجيين هو إفاقة الدوحة من غيبوبتها السياسية وتستشعر ما اقترفته من أخطاء بحق شقيقاتها. تخرج قطر من عزلتها السياسية والاقتصادية عندما تراجع حساباتها ولا تأخذها العزة بالإثم وتلتزم بما وقعت عليه من قبل. ما قام به الاشقاء هو دفع قطر باتجاه معالجة الخلل عبر قرارات صعبة اضطرت اليها إلا ان مردودها مستقبلا سيصب في امن واستقرار المنطقة بما في ذلك قطر.