جاءت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب استكمالاً واستمراراً في سلسلة طويلة من اللقاءات على مستوى عال وهي بهذا الفهم استمرار على نفس النهج السابق والثابت في وصل الحوار وتبادل وجهات النظر من أجل المصالح الوطنية والإقليمية والعالمية المشتركة.. دونالد ترمب.. الزيارة التاريخية تعود العلاقات السعودية الأميركية إلى الثلث الأول من القرن العشرين وهذه العلاقة ترتكز على محور الطاقة، فحول هذا المحور بدأت العلاقات السعودية الأميركية تتشكل، وكانت أهم ملامح هذه العلاقات وما زالت، وهي علاقة تتسم بالتفاعل في ضوء انتماء كل من البلدين إلى حضارته واحترام كل منهما لتراثه الثقافي والفكري، وفي نفس الوقت لخيارات الطرف الآخر الحضارية واحترام كل الطرفين لمبدأ التعاون من أجل مصالح المجتمع الدولي ككل والتصرف بمسؤولية تتسامى على مجرد المصلحة الذاتية. هذا والعلاقات السعودية الأميركية الثنائية على مستواها السياسي والدبلوماسي لم تنقطع منذ أول لقاء بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في عام 1945 والذي أراد أن يشرك الملك عبدالعزيز في فكرة الأممالمتحدة ويقدم له الدعوة لكي تكون المملكة عضوا مؤسسا لهيئة الأممالمتحدة. وكان الزعيمان قد تباحثا حول ضرورة قيام منظمة دولية تضم شعوب العالم المستقلة لتجنيب العالم المرور مرة أخرى بتجربة بمثل قسوة ومرارة الحرب العالمية التي كان العالم خارجا لتوه من أتونها. تمت هذه المباحثات في اللقاء التاريخي المعروف بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأميركي في عام 1945م. وقد وضحت في تلك المناسبة العالمية الكبيرة الخطوط التاريخية العامة للسياسة الخارجية للمملكة التي تؤمن بالاعتدال والاستقلالية في الرأي وإشاعة السلام وتوطيد السلم والاستقرار كمفهوم مبدئي وقيمة أخلافية. ومنذ تلك الفترة لم ينقطع الحوار على مستوى القمتين التنفيذيتين في كلا البلدين.. فقد قام كل من الرؤساء الأميركيين السابقين ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر وبوش الأب وبل كلينتون وجورج بوش وباراك أوباما بزيارات رسمية للمملكة في الحقبة الماضية. كما قام كل من الملك سعود والملك فيصل بزيارتين رسميتين لأمريكا كما وفد الملك خالد مستشفياً إلى أميركا وزار البيت الأبيض وقام كل من الملك فهد والملك عبدالله والملك سلمان بزيارات رسمية إلى أميركا، وقد كان الحس السياسي والاقتصادي وراء العلاقات السعودية الأميركية فقد كانت المملكة تستشعر إلى جانب المصلحة الوطنية القضية القومية التي تنظر إلى الوطن في إطار الوطن العربي الكبير وتؤمن تماما بأن الخطر الذي يتهدد إحدى بقاع هذا الوطن الكبير إنما هو بادرة ونذير خطر أكبر يمكن أن يمتد إلى بقية الوطن وهذه رؤية بعيدة ومستوعبة في ظل الأخطار المحدقة بالوطن العربي الكبير. وجاءت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب استكمالا واستمرارا في سلسلة طويلة من اللقاءات على مستوى عال وهي بهذا الفهم استمرار على نفس النهج السابق والثابت في وصل الحوار وتبادل وجهات النظر من أجل المصالح الوطنية والإقليمية والعالمية المشتركة لاسيما وهي تأتي في ظروف تتصاعد فيها الأحداث في منطقتنا بما يستلزم التحرك على كل المجالات سعيا وراء إقرار السلام وتمكين الاستقرار في منطقتنا لمصلحة جميع شعوبها وللحفاظ على استقلالية عالمنا العربي واستقراره. مؤكد أن قضايا كثيرة ستطرح من قضية أمن الخليج إلى الخطر الإيراني إلى قضية الإرهاب إلى القضية السورية وموضوع اليمن إلى غيرها من الموضوعات الصغيرة والكبيرة. ومؤكدا أيضا أن مواقف المملكة في كل هذه القضايا معروفة مسبقا فليس الأمر الوارد إذن أن تبلور المملكة موقفها كنتيجة للزيارة ولكن الأمر الوارد أن دولتين تملكان سيادة ورؤية واضحة تسعيان إلى الاعتراف المتبادل بين كل من البلدين بأهمية الآخر وكونه طرفا أساسيا في كثير من المعادلات التي تؤثر على مصالح الطرف الآخر والحرص المشترك على الاستقرار لاسيما في منطقة الشرق الأوسط ودعم الاقتصاد المفتوح وحرية التجارة والتوازن في المصالح الدولية وخلو المناطق الاستراتيجية من الوقوع تحت السيطرة الخارجية. والتفكير في بلورة واقع جديد في العلاقات العربية الإسلامية والولاياتالمتحدة الأميركية أو الغرب بشكل عام يقوم على التسامح الحضاري والاحترام المتبادل فثراء الروح البشرية والفكر الإنساني هو في الاطلاع المتبادل على فكر الآخر ومعرفة خصائصه قصد حصول التفاهم والانفتاح والتقريب بين وجهات النظر على أساس أن المجتمع الإنساني شراكة بين الجميع. كل هذه المرتكزات الموضوعية جعلت من العلاقات السعودية الأميركية نسيجا متلاحما لا يمكن أن ينظر إليه من زاوية واحدة فالتوازن سمة لسياسة المملكة تجاه الولاياتالمتحدة الأميركية وغيرها من القوى والسمة الأخرى في العلاقات الثنائية بين المملكة والولاياتالمتحدة الأميركية هي الندية والتكافؤ بحيث إن بلادنا بقدر كونها استفادت من صداقتها الطويلة مع الولاياتالمتحدة الأميركية في تطوير مواردها الذاتية وترسيخ بنية اقتصادها الوطني وتدعيم إمكاناتها الدفاعية. فإن الولاياتالمتحدة استفادت بصورة مباشرة أو غير مباشرة من العلاقات الاقتصادية السعودية الأميركية ويعتبر حجم التبادل التجاري السعودي الأميركي دليلا على أن التجارة السعودية تلعب دورا قويا ومنعشا للاقتصاد الأميركي فالمشتريات السعودية من أميركا اليوم تفوق حجم مشتريات شريك تجاري قديم للولايات المتحدة هو فرنسا كما تفوق المشتريات السعودية من أمريكا مشتريات إيطاليا بكثير والولاياتالمتحدة هي أكبر شريك تجاري للمملكة. هذه الحقائق حري بنا بمناسبة زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن نبين عمق أثر هذه العلاقة المشتركة في بنية الاقتصاد الأميركي.