امتاز شعراء النبط في المملكة بالقدرة على الوصول إلى ذهن المتلقي وذلك عن طريق إعطائه أبياتاً تجنح إلى كونها بسيطة لدرجة استعمال جمل عاديّة كي تصبح بيتاً أو شطراً. فالمرحوم علي البراهيم القري (ت 1415)، وهو من شعراء عنيزة المجيدين يُغري المتلقي بتتبع من بساطة اللفظ. وجدناه يقول بمناسبة اليوم الوطني للمملكة: مرحوم ياللي وحّد المملكة عام ألف وثلاثميه وواحد وخمسين نلاحظ أن الشطر الثاني من البيت هو رقم 1351. ورثى صديقاً له فقال: مرحوم ياللي مات زمّة شبابه اربع طعش شوال عام الثمانين أيضاً نُلاحظ قدرة الشاعر على استنبات شطر من رقم. وتقريباً انفرد الشاعر في هذا النوع من العطاء. وأنا من الأشخاص الذين صادقوا المرحوم علي، وإذا جاء إلى الرياض نتلازم. رغم جودة شعر المرحوم لم أجد اسمه ضمن تصانيف شعراء النبط، رُبما لكونه مُقلاً. وفي هذا المسار من الحديث عن الشعر الشعبي وجدتُ مثلاً: "الصدق يبقى والتصنّف جهاله" لمحمد بن لعبون أصبحت مثلاً يقوله متذوقو الشعر الشعبي، ومن لا يهتم به. كان هذا المقطع يتردد كثيراً في إحدى أغاني المطربين من الكويت والبحرين خلال الثمانينيات من القرن الماضي، ولا يعرف الكثيرون أن هذا مقطع لبيت من الشعر النبطي لأهم شعراء منطقة الخليج، وهو محمد بن لعبون الشاعر النجدي الذي عاش جزءاً كبيراً من حياته في مدينة الزبير بجنوب العراق، وكتب أجمل قصائده قبل نفيه إلى الكويت من قبل حاكم الزبير ليموت بالطاعون في المنفى وهو في الأربعينيات من عمره. في إحدى قصائده الشهيرة بيت يقول: واقفى مْصرّ كن جاكات شاله جلمود صخْرٍ حطّه السيل من عالْ مكر مفر مُقبلٍ مدبر معاً كجلمود صخرٍ حطّهُ السيل من علٍ (امرئ القيس) قال نُقاد تلك المرحلة إن الشطر للشاعر الجاهلي امرئ القيس، قال لهم: أنا أصحّ، لأن الجلمود المندفع بقوة السيل لا يكرّ ولا يفرّ، بل يتدحرج إلى الأمام. وعندي أن الشاعرية إذا منحها الله للإنسان يستطيع التحويل من الفصيح إلى الشعبي وبالعكس، كالذي يُشغل المفاتيح في دوائر كهربائية من خط إلى آخر.