وإذا انتقلنا إلى منطقة فرعية في كتابة الأغنية حيث يستثمر المثل السائر في الأغنية، وهو ما برع فيه مبارك الحديبي مرة حين يعيد صياغة المثل بطريقته في مطلع نص كتبه ولحنه يوسف المهنا لعائشة المرطة: "أنا يا خلي ما قصرت / مير البخت فيني قصر" وهو من وحي البيت السائر شهرة في ذاكرة الشعر النبطي وأغنيات السامري للشاعرة نورة الهوشان: "اللي يبينا عيت النفس تبغيه / واللي نبي عيا البخت لا يجيبه" بينما لم يوفق لاحقاً عبد اللطيف البناي في صياغة ذات المعنى باعتباره مثلاً في أغنية "أحبك موت (1995)" التي كتبها لأحلام في مقطع: "تمنيت الوصل وياك منوة / ولى راح البخت محدٍ يجيبه" كما أنه –أي: الحديبي- وظف في أغنية "جاني بعد وقت (1988)" (لحن: عبدالله الرميثان) لمحمد المسباح شطر بيت سار مثلاً شائعاً للشاعر محمد بن لعبون من بيت "الصدق يبقى والتصنف جهالة / والقد ما لانت مطاويه بتفال"، وقد وظفه في أغنية "جاني بعد وقت يشكي لي حاله سمعت أنا ورديت على ما قاله الصدق يبقى.. والتصنف جهالة" وقد سبق أن استخدمه البناي في أغنية "اجرح (1980)" (لحن خالد الزايد) لرباب بمعالجة غير قوية السند: "اجرح وعذب على ما تشتهي الصدق يبقى والخديعة تنتهي" كما سبق له أن بنى نصاً على بيت شعري من الأبيات الفريدة لابن لعبون، وهو "كلّما دقّيت في أرضٍ وتد / من رداة الحظ وافتني حصاة"، في أغنية "ليه يا دينا (1988) لطلال مداح، وقد أكمله على نحو مفارق تماماً دون أن يوظفه في معالجة ختامية للحدث مثلما فعل الحديبي باعتباره مرتكز العمل ولكن ليس مطلع العمل كما في أغنية "جاني بعد وقت". وقد أكمله البناي على النحو التالي بدرجة مغايرة تماماً عن المناخ اللغوي والمجازي للبيت اللعبوني: "كنت أنا ويّاه روحٍ في جسد / مرقده روحي وهدب عيني غطاه وليه يا دنيا حبيبي ابتعد / هل أنا قصّرت في شي معاه" وحين قدم البناي توظيفاً للمثل الشعبي "اللي ما يطول العنب يقول حامض" في أغنية "قول عني ما تقول (1997)" لأحلام جاء به على النحو التالي: "قول عني ما تقول / صوبي كم صعب الوصول واللي ما يطول العنب / حامض عنه يقول" إذ اضطر لضرورة الوزن أن يضع شبه جملة (جار ومجرور) لتملأ التفعيلة (فعلن) بين تفعيلتي (فاعلاتن فاعلاتن)، وهو ما جعلها ممجوجة لاعتبار أن الفضلة الكلامية في القول لا الشعر. وفي جلسة مشتركة للحديبي والملحن يوسف المهنا علق شاعرنا الجميل الحديبي بامتعاض فتحداه أبو يعقوب (الملحن المهنا أن يأتي بمعالجة أخرى، فاقترح الصيغة التالية: "اللي ما يطول العنب يقول حامض واللي ما يعرف الهوى يقول غامض" وبهذه الطريقة في التصرف تكشف لنا الصنعة الفنية عند الحديبي في أسلوب تراكم خبرة عن موهبة كبيرة وفريدة بين مواهب شعرية آنذاك مثل يوسف ناصر وبدر بورسلي وفائق عبدالجليل وأمير عيسى.. وتلك الثنائيات التي أبدع الحديبي في رفدها بأهم النصوص مرة مع غنّام الديكان وأخرى مع خالد الزايد ثم عبدالله الرميثان ومن بعد عودة للعمل والديكان لتكشف عن حالة من الانسجام الفني خدم الأغنية الكويتية ونقلها عبر زخم الحناجر الخليجية التي أدتها. ويبقى عند الحديبي الكثير من أسرار صناعة الأغنية المنتظر أن يفرج عنها ولو في مذكرات نحلم بانتظارها.