نشر الدكتور حمزة السالم مقالين عن هدر تريليون ريال خلال الستة عشر شهراً الأخيرة، والحقيقة لم أكن أنوي الرد لأني كنت أتوقع أن المهتمين الاقتصاديين وخصوصاً ذوي الخبرة ومن كان لهم مناصب استشارية في الدولة وغيرهم من المتابعين سوف يفندون معادلته غير الصحيحة، ولكن تفاجأت بأن البعض استخدمها -من المختصين- للتكسب الشعبوي، والأصوات الحاقدة على المملكة.. وهنا أصبح السكوت عن الحق خيانة، وأيضاً لا يفوتي توجيه شيء من النقد للدكتور محمد آل الشيخ والدكتور حمزة السالم. أبدأ بالرد على معادلة حمزة السالم التي تحمل أكثر من خلل، وسوف أوضحها بشكل مبسط لغير المختصين، ولكن أحب أن أوضح: أولاً نظام المحاسبة للميزانية السعودية قائم على أساس التدفقات المالية (cash base) وليس الاستحقاق (accrual base)، كما هو لأغلب الشركات، والأسباب أهمها السهولة والسيطرة، والفرق أن الأول يعتمد على المبالغ التي صرفت لتحديد الإنفاق والمبالغ التي استلمت لتحديد الدخل، أما نظام المحاسبة الثاني -الاستحقاق- والذي نجده في ميزانية الشركات فهو يعتمد احتساب الدخل والنفقات على أساس تقديم الخدمة أو مثلاً بيع سلعة لعميل حتى لو لم يستلم المبلغ نقداً من العميل، ولكن تسجل عملية البيع.. وأعود لمعادلة الدكتور حيث حدد معادلته من ثلاثة أجزاء وهي: الدخل وارتفاع الديون وانخفاض الاحتياطيات النقدية -يوجد خطأ آخر لدى الدكتور في حساب الاحتياطيات سأشرحه في النقطة التالية- وجمعها وخرج بمبلغ 1,115 مليار ريال، وقال بأنها دخلت خزينة الدولة، فأولاً سحب مبلغ من الاحتياط المالي لا يعتبر دخلاً للخزينة، بل خرج منها لتلبية التكاليف المالية، ونحن نعلم بأن الدولة لديها رواتب شهرية كانت تقدر بحدود 37.5 مليار ريال شهرياً، لا بد أن تدفع نقداً، وكان هناك مكرمة ملكية براتب شهرين وغيره من النفقات التي بلغت 975 ملياراً أنفقت بأكملها.. ثانياً أن الإنفاقات الشهرية قد تزيد على الدخل الشهري والعكس صحيح وهذا التذبذب طبيعي وإنفاقات الدولة هي على شكل تدفقات مالية وليست محاسبية حيث لم يدخل ميزانية الدولة المبلغ الذي ذكره الدكتور 1,115 مليار فجأة، كما أن الدولة أنفقت في ذلك العام 975 مليار ريال على شكل تدفقات مالية كما شرحنا سلفاً بمعنى صرفت بأكملها. الخطأ الثالث في حسابات الدكتور حمزة هو بند الاحتياطيات الذي اعتمده، حيث اعتبر إجمالي الأصول الاحتياطية 2,743 مليار في نهاية عام 2014 هو احتياطي الحكومة السعودية، وهذا غير صحيح، لأن هذا المبلغ يشكل الاحتياطيات العامة التي تشمل القطاع الخاص من شركات ومؤسسات، أما الاحتياطيات الحكومية فكانت 1,412 مليار فقط، وانخفض في نهاية عام 2015 بحدود 366 ملياراً بسبب العجز ذلك العام بخلاف إجمالي الأصول الاحتياطية التي احتسبها خطأ الدكتور حمزة والتي انخفضت بحدود 435 ملياراً، والتي خطأ احتسبها الدكتور حمزة، وعلى مدى العام الماضي والثلاثة الأرباع الأولى لهذا العام انخفضت الاحتياطيات العامة بحدود 666 ملياراً، وبينما في الواقع الاحتياطيات الحكومية انخفضت بحدود 467 ملياراً، وهذا موضح في نشرة ساما، وللتوضيح فإن الاحتياطيات الحكومية هي مجموع ثلاثة بنود: الحسابات الجارية والاحتياطي الحكومي للدولة ومخصصات المشروعات. أعيد الثلاثة أخطاء للدكتور حمزة؛ الأول اعتباره سحب الاحتياطيات هو دخل لخزينة الدولة؛ بينما هي خرجت لتستوفي إنفاقات الدولة في نظام محاسبي مبني على التدفقات المالية.. ثانياً مراعاة فائض أو عجز الإنفاق والإيرادات شهرياً.. ثالثاً خلط بين الاحتياطيات العامة والحكومية. لكن نفتح موضوعاً آخر وهو حركة الأصول الحكومية، فبرغم أن انخفاض احتياطيات الدولة بمبلغ شبه مقارب للعجز في عام 2015 وهو 366 ملياراً إلا أننا لا ننسى بأن الدولة اقترضت في ذلك العام 98 مليار ريال، ولم تدخل في الاحتياطيات وما سحب من الاحتياطي كان كافياً لتسديد العجز دون اللجوء للاقتراض، والسبب أن ساما هي في الأساس بنك بمعنى أنها تظهر فقط الرصيد من أموال وأصول مالية التي أودعتها الدولة في ساما وسمحت لها بالاستثمار بها وبقية الأموال وهي 94 ملياراً (انخفاض الاحتياطي الحكومي والاقتراض في ذلك العام منقوص منه العجز)، فممكن بأنها تحولت إلى أصول حكومية أخرى خارج ساما غير مالية، ووارد جداً بأنها ذهبت لتغذية صندوق الاستثمارات العامة، وهذا التذبذب قديم منذ سنوات، وكنّا نطالب بالتوضيح، لذلك نكرر ونصر على نشر جميع أصول الدولة وأصول صندوق الاستثمارات العامة أسوة بجميع الصناديق السيادية في العالم وخصوصاً النرويجي إذا كانت لدينا الرغبة في تعزيز الاستثمارات السيادية. كنت أتمنى أن الدكتور حمزة عمد إلى تعزيز مبدأ الشفافية لدى حركة أصول الدولة وليس الاتهام الباطل أو الهجوم الإرجافي، وأن يتقبل انتقادي بصدر رحب، حيث أن كبار علماء الاقتصاد من (كينس) و(فردريك حايك) إلى (جون ولش) برغم أن نظرياتهم حصدت جوائز وشكلت تغيراً للفكر الحديث إلا أن أفكارهم ظلت محل النقد وكانوا يرحبون به، لذلك أتمنى وأنا له ناصح بأن يتوقف عن التعالي في طرحه وتسخيف الآخرين لأن هذه أبداً ليست من صفات أهل العلم والمعرفة وتسيء لصاحبها. أما الدكتور محمد آل الشيخ فإني أتذكر تصريحه للهدر في الإنفاق والذي بصراحة لم أكن أجد لطرحه مبرراً، ونحن نعلم أن التنمية إذا دارت عبر الإنفاق الحكومي كان الهدر بها عالياً نسبياً، ولكنها حققت تنمية عامة من تطوير الموارد البشرية والبنية التعليمية والصحية والتحتية والنظام المصرفي القوي وتطور التقنية المحلية، فإثبات الكفاءة ليس عبر نقد الماضي؛ بل بمواجهة تحديات المستقبل، وأهمها الآن الانكماش الاقتصادي وتزايد العاطلين.. إن الهدر الحقيقي هو هؤلاء الشباب الذين صرفنا على تعليمهم الملايين ونجدهم عاطلين في بيوتهم اليوم.