يظلّ للفلسفة ألقها وسحرها وقدرتها على إثارة الخيال وتنشيط العقل وإزالة ركامه وكسله الفكري، وستبقى ذلك النشاط الذي يضمن لنا حياة سعيدة عبر الجدل والمماحكات العقلية كما يعرّفها ابيقور. حول فلسفة الثأر وثقافة الكراهية ونزعة الانتقام يقدّم لنا ماري فرانس هازبروك – وبلماحيّة لافتة- تفسيراً علمياً لفكرة الثأر وكيف يبزغ هذا الشعور في وعي مرتكبه إذ يقول:" لو كان الثأر مثل وجبة باردة، لكان ثأراً متحضّراً، يُختزل في أفعال هيّنة وليس فيها عنف مبالغٌ فيه. لكن الثأر ينتج من مشاعر يؤجّجها الغضب وتخزّنها الضغينة التي تطلق الكراهية والحقد حتى يتحوّل الثأر إلى هاجس تدمير الآخر. ويقرّر هازبروك أن الثأر كراهية لا تختبيء، فطالب الثأر – كما يراه – يحرص على أن يكشف عمله في اللحظة التي يضرب فيها، كأنه بهذه الطريقة يريد أن يقول إنني الأقوى. يظنّ أنّه ينفّذ العدالة، وهو يقيم عدالة يقررها بنفسه. إن عدالة الثأر لا تقبل المِثل. إنها تسعى إلى التدمير، تدمير الخصم، وحتى تدمير الذات أيضاً. يؤكد ماري فرانس في مقدمته في كتابه " عن الثأر " إن ثأرنا متحضّر في معظم الأوقات، ويُختزل في أفعال هينة لا تتميز بالعنف المبالغ فيه. ولو كانت روح الثأر التي تحرّكنا تتعلّق بوجه خاص بثأر هو في حيّز التفكير، يستقر الثأر في الداخل ويظل دوماً هكذا. ويضيف: تلك الروح ليست إلا ضغينة وغيظاً عقيماً، وحنقاً واهناً: نحقد على الآخرين، ولكن ينتهي بنا الحال بأن ينقلب هذا كله ضدنا، يُمرضنا. وفي فصل عن " الصفح" يستشهد الكاتب بمقولة للفيلسوفة الألمانية حنة أرندت تقول فيها: " ليس بوسع البشر الصفح عمّن لا يستطيعون عقابهم، وهم يعجزون عن معاقبة من يتضح أنه غير قابل للصفح عنه". وقد أسهب الكاتب في توضيح معاني الصفح والنسيان وكيف يمكن اعتباره قوة مع التأكيد على أنه يختلف عن ملكة الصفح وأننا حين نصفح نحتفظ في ذاكرتنا بسبب الصفح وندرك طبيعته خطأ، اعتداء، جارحا من دون تجاهله ومن دون التخفيف منه. بقي أن نشير إلى أن الكتاب " عن الثأر" مدعّم بمواقف وشواهد عبر نماذج من التراث الإنساني، ومن الفلسفة والسينما والأدب ويقدّم بأسلوب سلس فكرة الثأر. " أيها الملاك المُفعم بالطيبة، هل تعرف الكراهية، والقبّضات المتشنّجة في الظلام ودموع المرارة ، حين يُعلن الانتقام نداءه الجهنّمي، ويجعل من نفسه قائداً لقوانا؟ ". بودلير- من ديوان " أزهار الشر".