قبل ستين سنة تقريباً سُئل الشاعر بدر شاكر السياب عن توقعه لمستقبل شعر نزار قباني، وهل يتوقع له "الصمود بوجه التاريخ والزمن"؟، فأجاب إجابة ينفي فيها بأسلوب لطيف إمكانية صمود أشعار نزار ويتنبأ بسرعة تلاشيها، وقال في إجابته: "لا أعتقد ذلك، إن شعر نزار أشبه بالشيكولاته تحسه ما دام في فمك، إلا أن طعمه يزول عندما تنتهي من وضعه. وأنا شخصياً لا أشجع انتشار هذا النوع من الشعر، وإن كان شعر نزار لوناً يحتاج الشعر العربي إليه، إن نزار وحده كاف. فحاجة المرء إلى الشيكولاته ليست كحاجته إلى الماء والخبز، وشعر نزار شيكولاته"! استبعد السيّاب بقاء شعر نزار في أذهان الناس لفترة طويلة لأن الحلاوة التي يشعر بها المتلقي حين يتذوق شعر نزار حلاوة سريعة التلاشي كحلاوة "الشوكولاتة"، والحاجة لها حاجة "كمالية" ليست في أهمية الحاجة لبعض الشعر الذي تكون الحاجة إليه "ضرورية" وتماثل الحاجة إلى الماء أو "الخبز"! لغة السياب هنا شبيهة بلغة القدامى الذين يفضّلون ربط نقدهم للشعر أو للشاعر بعناصر الطبيعة ومواردها وبأشياء حسّية متنوّعة، وإذا كانت بعض عباراتهم تدل دلالة واضحة إمّا على مدح صريح أو على قدح صريح فإن كلام السّياب يوحي بمحاولة الجمع بين المدح والقدح، فهو لا ينكر أن شعر نزار شعر حلو ولذيذ، لكنه ينفي الأهم وهو قدرته على البقاء والتأثير العميق في المتلقين. ويُذكرنا كلامه بكلام ابن الأعرابي الذي قال فيه عن أشعار المحدثين في عصره: "إنما أشعار هؤلاء المحدثين مثل الريحان يُشم يوماً ويذوي فيرمى به، وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر كلما حركته ازداد طيباً". في إشارة إلى ضعف تأثير أشعارهم مقارنة بأشعار القدماء. المفارقة هي أن شعبية نزار تضاعفت عبر السنوات وزاد تداول قصائده في مُقابل تراجع شعبية السيّاب وخفوت حضور قصائده بين الأجيال اللاحقة، وفي هذا دلالة على صعوبة التنبؤ بالمستقبل الشعري لأي شاعر، فهناك شعراء تحظى قصائدهم بتداول واسع في حياتهم لكنها تموت سريعاً مع موتهم، وهناك شعراء يحدث لهم خلاف ذلك، وهناك من هم أوفر حظاً من الصنفين السابقين وهم الذين تنال أشعارهم إعجاب المتلقين في أثناء حياتهم، ويستمر تداولها والإعجاب بها بعد رحيلهم عن الحياة لقرون طويلة. يدفع التشاؤم بعض الشعراء والنقاد إلى المغامرة بالتنبؤ بمستقبل قاتم للشعر أو لأشعار الشعراء الذين يعيشون هذه المرحلة، أو يدفعهم التفاؤل بمستوى شاعر معين للتنبؤ بمستقبل باهر لإنتاجه والحديث عن قدرة قصائده على الخلود في الأذهان، لكن الواقع يثبت دائماً أن عملية تلقي إنتاج أي شاعر أو أي نص عملية معقدة يصعب التنبؤ بها. أخيراً يقول خلف الأسلمي: عيني مثل عين "المعرّي" عن الناس وعلى عيوبي: مثل "زرقا اليمامة"