ولد الشاعر إبراهيم سالم البلوي في عام 1340ه. استنادا لعام وفاته وهو لم يتجاوز الثلاثين عاماً والتي كانت 1385ه., ولد في بيئة شعرية, كان للشعر آنذاك في المجتمع كلمته ووقعه في نفوس سكان البادية والحاضرة, لما يتمتع به من أهمية في التعبير عن المطالب الشخصية, والاجتماعية, ولما له من وقعْ في النفوس, بسبب جزالته, وحسن الصياغة, ونوادر مخرجاته من الشعر والشعراء, كما يعتبر الشعر قديما, أداة ترفيهية, يعتبر لسان حال المجتمع يحييها الشعراء في مناسبات الزواج والختان وغيرها. ما جعل للشعراء أهميتهم, وقيمتهم الاجتماعية. وتكمن أهمية الشعر من الناحية العلمية حين نقل لنا ممارسات المجتمع في العادات والتقاليد والحياة العامة بمسمياتها وطريقة أدائها. واكب الشاعر إبراهيم فحول شعراء تلك الحقبة, وتتلمذ على يد كبار الشعراء مثل الشاعر عواد صالح البلوي والملقب ب(زوغان) والذي أولاه الاهتمام بتعليمه الشعر وتقييمه له, حتى برع بهذا النوع من الأدب الشعبي, بالإضافة إلى كونه يتربع على قاعدة شعرية صلبة من ناحية أخواله وأعمامه, الذين كان منهم فطاحلة الشعر. كان لمعاناته من قسوة الحياة بوفاة والدته بعد ولادته وتربيته القاسية وقلة موارد المعيشية التي كان يُقاسيها أهل الجزيرة كافة, دور كبير في شعور إبراهيم البلوي بقسوة الحياة, وجدنا تلك المشاعر التي طالما تألم منها في قصائده, حاضرة في معانيها, والتي منها القصيدة التالية حين استعمل في البيت الرابع مصطلح (شناعي) تعبيرا عن مدى قوة المعاناة التي كان يعيشها في حياته وشعوره بالظلم. وفيها دليل على نبوغه بالشعر منذ نعومة أظافره, حيث نظمها في سن صغيرة جدا, والتي لفتت له أنظار كبار الشعراء, فأدى إلى اهتمامهم به, قال فيها: قالوا سروق وقلت أنا من سرق جاعْ قالوا كذوب وقلت من ماني مجاعِ الذيب ما يرقد هنياً الى جاعْ والضبع ما تشبع بطونه سباعِ جابتني الدنيا على صواع ولواعْ وايام ما خلت عليّه شناعِ واذا مشت تمشي على خف وذراعْ وتكبنا مثل الطيور المقاعي متغانمين البيت لوانه على كراعْ نشد ونرحل بالديار الوساعِ خطو المزاوج مثل ملحق وقطّاعْ فقرٍ مقيم إن كاد لك قلب ياعي كذلك تحمل الأبيات السابقة دلائل كثيرة, وشواهد على ذلك العصر الذي عاشه الشاعر, موضحا فيها ما يعانيه المجتمع وما مر به من فقر, كما يتضح ما بين سطورها التأثير النفسي عليه, وتعتبر هذه القصيدة من أعظم الشواهد على ذلك العصر بما تحمله من دلائل واضحة. كما نلاحظ في البيت الرابع صورة حية لقسوة الحياة, والتي وصفها بأسوأ منظر في خياله بصورة من يمشي أعرج, أو مشلولا على رجل وذراع, ليعبر عن مدى سوء الحالة التي يعيشها المجتمع. استنقص البعض شعره ووصله ذلك الاستنقاص منهم, فأراد أن يثبت لهم ثقته بنبوغه بالشعر, فنظم بيتا واحدا لكنه يغني عن قصيدة, يخبرهم فيه بما يحمله من شاعرية فذة, لا توقفه عند نظم القصيدة, تماما كالسواني التي تدور بلا توقف يقول: تسعين بيت أجيبهن ما ابلشنّي مثل القليب اللي تعاقب سواني لكن هناك ارتباط بين البيت السابق, وقصيدته الغزلية التالية, التي نثر فيها رقة المعاني, عبر فيها عن روح شفافة, تواقة لحب الحياة, مطالبة بتعويض عن ما يعيشه من حزن ويتمْ, فيصف حالته في الابيات التالية: بديت في المرقاب وأعول واحنِ وأجيب مايطري عليّه وأنا فيه حنين هرشٍ باشهب القيظ حنِ حنين هرشٍ واشهب اللال طاويه واجيب واجذب من ضميرٍ مكنِ مثل القليب اللي تعاقب سوانيه عليك يا اللي هرجتك بالتمني خسران بياعه وربحان شاريه قربه مدلّهني وبعده شطني وهرجه كما ذوب العسل والدواء فيه اقفى رديف وله عقيدٍ يغني لا وابي إلا صويحبي قوطروا فيه حطوه في ضلعٍ بعيد المطنِ وعز الله اني ميًسٍ من حراويه قوطروا: أي ذهبوا, وهي في لهجة سكان غرب المملكة ويقال عند ذهاب شخص: قوطر أي ذهب. وله أيضا : يا سهيّف الرمش زين وصوف يا دقيّق العود يا الورقي عطني من المبسم الملفوف اللي كما لايح البرقي يا بنت شومي عن الدندوف اللي عن الفعل يدْرقِ وله ايضا: لا عدت يا اليوم من وردة جابت لي الزين واشقاني عزبٍ نطحني على يِرده اخذ قليبي وعناني يا عم لولاك والجردة لا قفَي بها يم حيانِ يا راكبنا فوق منسردة تشدى كما الذيب سرحاني وان جت مع الخد منفردة تقول طير بجنحانِ رحلته فلسطين والتي لم يعد منها : سافر إبراهيم البلوي كغيره من شباب تلك المنطقة إلى فلسطين, للعمل, و في رحلة ذهابه مر كعادة البدو قديما, على أصحاب بيت للشعر ليبيت للصباح, فاستضافوه, حيث نام تلك الليلة عندهم كضيف, وفي الصباح ظن صاحب البيت أن إبراهيم يبحث عن مهنة للرعي, فأمره بفك عقْل الجمال, فقال بمسمع من الرجل المضيف: يا معزبي عطني من الكيف فنجال حتى نشوف معقّلات البعارين ففهم الرجل قصده وصمت, وعندما نهض إبراهيم ليفك قيود الجمال, بادره الرجل وقال له (والله ما تفل عقلهن لين تقهوى) ثم تخبرني من انت؟ فأخبره إبراهيم, وخرج بعد أن شرب قهوته, وركب راحلته وأكمل دربه الى فلسطين, وقد أبدى الرجل اعجابه الشديد بهذا الشاب. بديت في المرقاب وأعول واحنِ وأجيب مايطري عليّه وأنا فيه التحق في فلسطين بالجيش وبالتحديد في غزة, وبعد مدة من الزمن اخذ الحنين للأهل والديار يغالبه, فأصبح يتوَجْد عليهم حتى صارت تتراءى له, وفي البيت التالي نلمس مشاعره وهي تحترق شوقا لها يقول: في بلاد غزة والكيف حرميّن عليّه وجدي على أهل البيوت المبنّاة عندما زاد حنين الذكريات, في نفسه وخالط فكره منظر ربيع الديار هاجت نفسه وترنمت بأحلى ما قد يتخيله الشاعر فقال: عسى البداري فال سيل الغميسين على مَلَح ومْلَيْح وشعيب سلمان وحروفها تلحق) مقارح خشوبين) وردودها (يمَّ) الوقيده وحيَّان وان ربَّعن (بالعون) مرباعهن زين يا حليلهن وان خالط القَفْر حوذان الغميسين, مَلَح, مْلَيْح, شعيب سلمان ,مقارح خشوبين, الوقيدة, وحيِان: مواقع وأودية وجبال في وادي أبا القزاز شمال شرق مدينة الوجه. وفاته : توقع إبراهيم انه لن يرى أهله وربعه وديرته مرة أُخرى, من خلال البيت الاتي: قلبي دَلَهْ يوم طب السوق ما حروتي نرجع الديره وفعلا لم يغادر فلسطين حيث استمر بالعمل في غزةبفلسطين, وتوفي ودفن بها, تقريبا في 1358, وهو لم يتجاوز الثلاثين من العمر, ه وبذلك يكون قد صدق حدسه في البيت السابق. رحم الله شاعرنا إبراهيم سالم سليم البلوي رحمة واسعه.