رؤية: سالم عايش رسم: معتصم هارون استبشر الوسط الشعبي بقراءة قصيدة الشاعر فهد عافت «عودة الشعر»، التي نشرتها «الشرق» في عددها 228 بتاريخ 19/07/2012. ويعد عافت أحد أهم شعراء الساحة الشعبية، وساهم في تأسيس أول المجلات، التي أولَت اهتمامها بالشعر الشعبي وروّاده، وساهم في تقديم عديد من الأسماء فترة عملة آنذاك. ومؤخراً شهدت الساحة غياب عافت، أو بالأحرى انقطاعه عن النشر، الذي سبقه غياب عن الأمسيات بموقف معلن من قِبله، وهذا ما جعلني أبدأ قولي أن الأوساط الشعرية استبشرت خيراً بقصيدته «عودة الشعر» التي سنقف معها في رؤيتنا هذه: -1- (هذا أنت اعرْفك، وأعرْف انك بديت تحضر من ريحة ثيابك الزرقا، وطيش الصبا من نظرة الوجهتين.. ووجهة اللا نظر من سادرٍ يشبه ولا يشبه الكهربا) يستهل شاعرنا قصيدته «هذا انت اعرفك» تأكيداً لمعرفته لهذا الطيف أو الحنين الزائر، ومؤكداً حضوره بقوله «واعرف أنك بديت تحضر» نافياً الحضور الأول الذي قد يكون حضوراً عابراً، بل بدأ بوصف هذا الحضور الذي أوضح به عن شخصية الحاضر بقوله: «من ريحة ثيابك الزرقا، وطيش الصبا»، يكشف لنا عافت بأن الذي حضر هو: الشعر، فرائحة ثيابه الزرقاء أحيت الحنين لكتاباته الشعرية، بدءاً من طيش الصبا، وبداياته الشعرية التي تمتاز بفرح الشاعر عند كتابة أي قصيدة. (من نظرة الوجهتين ووجهة اللا نظر من سادرٍ يشبه وْلا يشبه الكهربا) يواصل شاعرنا وصفه لهذا الحاضر «الشعر» وما مر به من وجهات نظر واتجاهات ووجهات حائرة ومتحيرة وتائهة أحياناً من الضوء، ولكنه نفى مباشرة هذا الضوء بقوله: «ولا يشبه الكهربا» وأرى هنا أنه يقصد «ضوء الشهرة» لا سواه. -2- من بدوك الراحلين بحزنهم للحضر الخيزلى خيزلى، والهيدبا هيدبا في ذاكرة الشاعر صورة وتصور لرحيل البدو وتحولهم إلى الحاضرة، ويصفهم بأنهم رحلوا بحزنهم متوجهين إلى المدن، واصفاً مسيرهم وطريقة سيرهم (بالخيزلى والهيدبا) فمشية الخيزلى: هي التبختر والتثاقل بالمشي خلاف مشية الهيدبا: وهي الإسراع بالمشي، وهي مشية من مشي الخيل فيها إسراع. -3- من غضبةٍ تنهجا لا قلت: غضبة مضر من رضوة تقلب الدنيا: هلا مرحبا حياك حياك انا للحين قلبي خضر لو رفّ جانح يذيّر به: حنين وظبا بالكاد بالكاد افرّق بين نفع وضر يا دوبك اقرا من حروف الهوى: الْف..با يصف لنا الشاعر أن الشعر في غضبه الذي يُشبه غضبة مضر، و»غضبة مضر» سرى هذا القول تهويلاً وإجلالاً لغضب قريش وبني تميم، أما عن حاله في الرضى فإنه يقلب الدنيا إلى هلا ومرحبا. وينتقل في البيت الذي يليه للترحيب بالشعر، وأنه لا يزال قلبه أخضراً طرياً لو رفّ جانح لهذا الشعر يتحرك به الحنين، وأورد (يذير به حنين وظبا) مشبهاً حنين هذا القلب الأخضر الطري بالظبا التي تجفل وتتذير من أي شيء حتى لو مر بها طائراً بالسماء، مكملاً في البيت الذي يليه بأنه لا يفرق بالهوى ما بين النفع والضر، وأنه عند الألف والباء في (حروف الحب). -4- المنع عنك انمنع والحظر عنْك انحظر العمر توه بدا.. والطفل توه حبا دوزن موسيقاك في الميلاد والمحتضر خذ راحتك فرحتي سيكا، وحزني: صبا الشعر مهدي.. متى ما كان لا منتظر وإذا انتظرته على الموعد وجاك: يهبا في الثلاث أبيات الأخيرة يفتح شاعرنا الآفاق للشعر مبيناً له ما تحقق له بقوله: (المنع عنك انمنع والحظر عنك انحظر)، وأن العمر للتو يبدأ، وأن الطفل في داخله بدأ بالحبو تبشيراً بأن هذا الطفل سيكبر بقصائد قادمة مكملة لمسيرته الشعرية، وفي البيت الذي يليه يقول للشعر: جهّز موسيقاك في الميلاد والمحتضر، ففرحي بك جعل الحزن صابئاً متحولاً للفرح، ويختم شاعرنا بأن الشعر عندما يأتي بلا انتظار يكون مهديّاً، وإذا أتى بموعده المنتظر يأتي شعراً متألقاً معبراً عن هذا بكلمة «يهبا».