ملايين المشاهدين تابعوا المناظرة الاولى بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب في السعي للفوز بمنصب رئيس الولاياتالمتحدة الأميركية. من زاوية المناظرة كفن من فنون الاتصال والحوار، كانت المناظرة مثيرة ومناسبة جدا لتدرس للطلاب والمتدربين وحتى المسؤولين لتسليط الضوء على تفاصيل الحوار من الناحية التكتيكية قبل الناحية الفكرية. عكست المناظرة وجود إعداد وتحضير نفسي من الطرفين. ورغم الخبرة وعامل السن فان ما سبق المناظرة من كم اعلامي هائل كان له تأثير على سلوك الطرفين. شاهدنا السخرية، والمقاطعة واستخدام لغة الجسد، ومحاولة كل طرف حشر الآخر في موقف الدفاع عن طريق فتح ملفات الأرشيف وكشف التناقضات. تنقلت المناظرة من تبادل النقد الشخصي الى حوار الأفكار حول السياسة الاقتصادية والخارجية ومحاربة الارهاب. إذا عرضنا هذه المناظرة كحالة تدريبية سنلاحظ أنها ليست مثالية، سنشير الى الشخصنة، والمقاطعة، وتجاوز الوقت المحدد، والسخرية، ونلاحظ أن سلوك ترامب ونظراته تعكس شخصية متعالية، وأنه في أكثر من مرة يبتعد في اجابته عن السؤال المطروح. كما يلاحظ أن هيلاري- وهذه نقطة لصالحها- كانت تقابل سخرية ترامب وبعض انتقاداته بضحكات تعكس شخصية واثقة. من زاوية المناظرة كحوار سياسي فهي تتحدث عن مصالح أميركا ومستقبلها وهي مصالح ومستقبل لا يمكن فصلهما عن بقية العالم. المشاهد العربي يقيم المناظرة بمعايير مصلحة العرب. لا ينتظر التغيير من داخل الوطن العربي، يبحث عن تدخل أميركي ايجابي، يلقي بكل أزماته على الغطرسة الأميركية. المشاهد العربي يتابع المناظرة ويربطها بالواقع والوضع الراهن فيصاب باليأس والاحباط ويتساوى عنده من يفوز برئاسة أميركا. يستمتع المشاهد العربي بالمناظرة كبرنامج حواري مثير، لكن ذهنه مليء بعلامات التعجب والاستفهام والشك. ولو قدر له طرح الأسئلة لجاءت مختلفة عن أسئلة القائم بإدارة حوار المناظرة. بعد المناظرة اختلفت الآراء حول الفائز بالمناظرة وتنوعت التعليقات ما بين جادة وساخرة ومن أطرفها قول المخرج الأميركي المشهور المثير للجدل مايكل مور: (الأمر انتهى، فاز المرشح الجمهوري العنصري والكاذب دونالد ترامب، صحيح هي من قالت الحقيقة، ولكن هذا لن يغير الواقع).. أما السيد سيث ماكفرلين فهو ينتقد أداء ترامب ويقول (لم أر في حياتي من قبل حديثا غير متماسك ويحمل الكثير من الهذيان مثل حديث ترامب الليلة خلال المناظرة، أنا في كابوس). على أي حال، هذه المناظرة فتحت المسرح لمناظرات في كافة أرجاء العالم حول أميركا وسياساتها واقتصادها وقوتها العسكرية ونفوذها ومستقبلها وديمقراطيتها. وهي مناظرات قديمة ومتواصلة ولن تتوقف إلا بالعمل بعيدا عن ممارسة الإسقاط. [email protected]