كانت المناظرة الثانية بين المتنافسين للوصول الى رئاسة أميركا سيئة جداً ليس لأنها بدأت بدون مصافحة، ولكن لكونها لم تأت بجديد على صعيد الاستراتيجيات وخطط المستقبل السياسية والاقتصادية. اتسمت المناظرة بالتكرار والمقاطعة والتهرب من الأسئلة وتبادل الاتهامات، والحديث عن الماضي أكثر من الحديث عن المستقبل. المرشحة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون حاولت أن تكون مثالية وألا تسمح للمرشح الجمهوري ترامب بأن يجرها خارج القضايا الجوهرية الى قضايا شخصية لكنها تفاعلت مع طريقة ترامب بالنزول بالحوار الى المستوى غير اللائق بمناظرة تحدد رئيس دولة عظمى رغم تكرارها ما قالته في المناظرة الأولى من أنها لن تنجر الى الأسفل. المناظرة الثانية سبقها هجمة اعلامية على خلفية تسجيل لترامب يتحدث فيه عن المرأة بطريقة بذيئة. هذا التسجيل الذي أدى لتخلي قياديين جمهوريين عن دعم ترامب، فرض نفسه على المناظرة منذ بدايتها، وكان واضحا من لغة الجسد مدى توتر ترامب لكنه حاول نقل هذا التوتر الى منافسته بالتحول من الدفاع الى الهجوم، ومقاطعتها بطريقة فيها شيء من التسرع وعدم القدرة على ضبط النفس. كان ترامب في المناظرة يجيب عن السؤال بالهجوم على كلينتون ومن عملت معه بمناسبة وبدون مناسبة، ويبتعد عن الاجابة المنتظرة لدرجة أن السيدة المشاركة في إدارة المناظرة اضطرت في أحد الأسئلة أن تقول لترامب : سوف أعيد طرح السؤال، وقوبل هذا الطرح بضحكة ساخرة من الجمهور. بلغ هجوم ترامب عل هيلاري مداه حين قال إنه في حال انتخابه رئيسا لأميركا سوف يطلب من المدعي العام محاكمتها ليكون مصيرها السجن بسبب قضية البريد الالكتروني، وهذا تصرف لا يتفق مع الدستور الأميركي، فهل يجهل ترامب استقلالية القضاء في أميركا ؟ على الصعيد السياسي وعن أزمة سورية، دافع ترامب عن روسيا وسورية وقال إنهما يحاربان داعش. وترى هيلاري عكس ذلك وتريد التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها روسيا وسورية.. ولم يسأل أحد ترامب : كيف تعجز روسيا وهي دولة عظمى عن القضاء على داعش إذا كانت كما يقول تحاربها، ثم كيف سيكون هو بمقدوره أن يفعل ذلك كما تعهد في حملته ؟ ولكن حتى لو وجه له هذا السؤال فهو عادة لا يعطي إجابات محددة ! المناظرة جمعت بين الأكاذيب والحقائق، والمهاترات الشخصية والتناقضات والكذب. من سيفرز ويقيم ويقرر هو الشعب الأميركي، أما الشعوب الأخرى ومنها الشعب العربي فانه يأمل من الدولة العظمى أن تسعى بجدية الى حل المشكلات العالمية، وإحلال السلام، وتحويل الميزانيات العسكرية الضخمة الى التعليم، ونشر السلام، ومكافحة الارهاب والأمراض والمخدرات، ودعم البرامج الثقافية، والعلاقات الدولية المبنية على الاحترام والمصالح المشتركة والتخلي عن المنافسة على النفوذ، واحترام حقوق الانسان بمعايير موحدة. تلك قضايا جوهرية لم تتطرق لها مع الأسف أسئلة المناظرة. [email protected]