الغش ظاهرة سلوكية سيئة، يمارسها البعض الذين دأبوا الصعود على أكتاف الآخرين، وسرقة النجاح بدلا من البحث عنه، ويمثل الغش لدى طلاب المدارس حالة خاصة، إذ انه غالبا ما يكون بموافقة ورضا الآخرين ومباركتهم، ولذلك فقد برزت وسائل عديدة للغش وطرق شتى وذلك من أجل الحصول على الإجابة، ونسي الطلبة الغاشون أسهل طريقة للنجاح والتفوق، وهي المذاكرة أولاً بأول، فلماذا يلجأ الطالب إلى الغش؟ وما دور المعلم في القضاء على ظاهرة الغش؟ ولماذا يلجأ الطالب المجتهد إلى تغشيش الطالب المتكاسل؟.اسئلة عديدة تطرح ذاتها، عبر هذا التحقيق الذي سعينا من خلاله الى تسليط الضوء على ظاهرة الغش، وآثارها على المستوى التحصيلي الدراسي للطالب، من خلال لقاءات مع طلبة المدارس وأولياء الأمور والمعلمين لنستطلع آراءهم حول هذا الموضوع. بداية كان لقاؤنا مع بعض طلبة المدارس باعتبارهم العامل الرئيسي في هذه الظاهرة، حيث يقول الطالب عبدالله حلوي من الصف الثاني الثانوي: لا استخدم طريقة الغش في الوصول إلى النجاح، ويؤسفني موقف الطلبة الغاشين، وفي اعتقادي أن أسباب الغش كثيرة ومنها التهاون والتساهل في الدراسة وصعوبة المناهج الدراسية والتساهل في عملية التدريس، وقد حدث أن طلب مني زميل تغشيشه في لجنة الامتحان ولكنني رفضت ذلك، وبعد انتهاء الامتحان نصحته بالابتعاد عن هذا السلوك، ولا ألجأ إلى الغش ابدا لأن متعة الجهد والتعب أحلى، وأغلى من تلك الدرجات التي يحصل عليها الطالب بالغش. أما الطالب احمد المعشي من الصف الثالث الثانوي بالقسم العلمي فيقول: في بعض الأحيان استخدم طريقة الغش للوصول إلى النجاح بسبب صعوبة الامتحان وعدم المذاكرة، وبصراحة إذا طلب مني أي طالب تغشيشه في لجنة الامتحان سأغششه، وألاحظ أن الطالب الغاش درجاته أعلى من الطلبة الذين لا يغشون. ويعقب على كلامه زميله الطالب فهد الفقيهي من نفس الصف: في العديد من الامتحانات أرى بعض الطلبة يغشون ولكنني أسكت عنهم، والكثير من الطلبة يلجأون إلى الغش لإدعائهم عدم الفهم والاستيعاب في الصف وقلة المذاكرة في البيت، وبالنسبة لي فإذا طلب مني، صديقي تغشيشه أغششه وإذا لم يكن صديقي لا أغششه. ويقول الطالب تركي البجوي من الصف الاول الثانوي لا استخدم طريقة الغش لأن الغش حرام ويعتبر سلوكاً مشيناً ويجب على كل طالب أن يتذكر دائما أن الله يراقبنا. من جانبه يقول الطالب سامي دغريري: من واجب كل طالب متفوق أن يحارب هذه الظاهرة بأن لا يسمح بالغش من عنده وتقديم النصيحة، ومن جانبي فإني لا أغشش أحدا من زملائي لكي لا يأخذ المعلم المراقب فكرة سيئة عني وما لاحظته أن الطالب الغشاش تكون درجاته أضعف من درجاتي. كذلك يقول الطالب بندر المدخلي من الصف الثاني الثانوي في القسم العلمي الكثير من االطلاب يعتقدون أن الغش يوصل إلى النجاح وما يحدث لدينا أن بعض الطلاب يطلبون من طالب جيد وممتاز تغشيشهم حتى يصلون إلى درجة النجاح وخوفا من عقاب الأهل عند الرسوب، ويضيف الطالب بندر لقد لجأت إلى الغش في أحد الامتحانات وندمت بعد ذلك وتمنيت لو يعاد لي الامتحان، ولا أحب تغشيش أحد من الطلاب لأن كل طالب يجب أن يبذل جهده ويعتمد على نفسه. أما الطالب علي الفقيهي: يقول الذين يتخذون الغش طريقا لهم يتفوقون في حياتهم الدراسية، وبالإمكان القضاء على ظاهرة الغش بتقديم النصيحة وتقوية الوازع الديني لدى كل طالب بأننا مراقبون من الله تعالى وضرورة وجود مراقبة من الأباء والتربويين في المدرسة.ويقول الطالب محمد الحكمي من الصف الثاني الثانوي العلمي: أن عدم المذاكرة وغياب الرقابة الأسرية من الأسباب التي تدعو الطالب إلى الغش، وتتغير نظرتي إلى الطلبة الغاشين وأحاول نصحهم قدر المستطاع. المعلم حسن السهلي معلم رياضيات قال: إن الغش هو الكذب على النفس والنجاح بواسطة الغش لا قيمة له لدي ويفقد هذا الطالب احترامه لنفسه واحترام الآخرين من أصدقائه أو عائلته أو حتى المعلمين له والغش يجعل الطالب دائم القلق والفزع والارتباك لإحساسه بالذنب وخيبة الأمل أثناء أداء الامتحان، ومن الأسباب التي تجعل الطالب يلجأ إلى الغش إهمال المذاكرة وكراهية الطالب للمادة أو المعلم وعدم التركيز أثناء شرح الدرس وأثناء المذاكرة وعدم المراجعة باستمرار وعدم الثقة بالنفس وكذلك فإن من أسباب الغش الظروف الصحية والاجتماعية للطالب. أما عن أساليب الغش فمنها الكتابة على اليد وعلى الأوراق والمساطر وفي ذاكرة الآلة الحاسبة، لذلك فمن واجب المراقب أن يفتش ويراقب حركات الطلاب وبالتحديد الطالب دائم الحركة في قاعة الاختبار، ويختتم المعلم السهلي بنصيحة يوجهها لكل طالب بأن لا يغش ويعتمد على الله ويذاكر دروسه جيداً ويركز على الامتحانات القديمة لأن الأسئلة غالباً ما تتكرر وكذلك النوم جيداً قبل الامتحان فقد أثبت العلماء أن النوم يساعد على استرجاع الكلمات الصعبة كأبيات الشعر والكلمات الأجنبية وغيرها وأخيراً الابتعاد عن المؤثرات الخارجية التي قد تؤثر على مستوى استيعاب الطالب. من جانبه يقول احمد القاضي معلم تاريخ: تختلف أساليب الغش لدى الطلاب وكل أسلوب إجراء معين فعلى سبيل المثل التفات الطالب محاولاً الغش من زميله يستدعي توجيه إنذار شفهي وإذا تكرر الأمر يتخذ بعدها إجراء تقرير كتابي وتقوم لجنة معينة من الإدارة المدرسية باتخاذ اللازم، أما الغش من أوراق معدة مسبقاً أو فتح الكتاب يتخذ فيه تقرير كتابي موثقاً فيه الأوراق المعدة للغش وتقوم اللجنة بعد ذلك باتخاذ اللازم وغالباً ما يحرم الطالب من درجات ذلك الامتحان.. فالغش في حد ذاته أمر غير أخلاقي ويؤدي إلى مزيد من التكاسل. أما بالنسبة للطلبة المتوسطين فإنهم يقومون بالغش من الطلبة المجتهدين عندما يتعذر عليهم الإجابة على سؤال معين أما الطلبة المهملون فيقومون بالاستعداد الكامل للغش في الاختبار بعدة طرق، ومن واجب الأسرة والمدرسة تثقيف الطالب بمساوئ الغش ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمن يخترق اللوائح والأنظمة المدرسية كذلك يقول محمد الحمدي معلم علوم: أن من الأساليب التي نلاحظ استخدام الطلبة لها للغش محاولة النظر لورقة إجابات زميله وإخراج ورقة أو في بعض الأحيان محاولة فتح الدفتر أو الكتاب وأخيراً أصبح الطلبة يستخدمون الهاتف النقال، ونصيحتي للطالب الذي يغشش زملاءه أن يتذكر أن (لكل مجتهد نصيب) والانسان من غير ضمير لا يساوي شيئا والله سبحانه وتعالى مطلع على أعمالنا، ويضيف الحمدي أنه بصراحة لا يوجد حل وإنما السبل المتاحة اتباع الخطوات التالية وهي المنهج التعليمي السليم وتوصيل المعلومة بشكل علمي والكفاءة العالية والعلمية المؤهلة وكذلك متابعة المعلمين للطلاب ومتابعة الأسرة للطلاب والتنسيق الكامل بين الأسرة والمعلم.. حسين الصميلي معلم تربية إسلامية يقول: الغش سلوك خطير لا يدرك الكثيرون أبعاده وهو مُدَمِّر للمجتمعات وتختلف الأسباب والدوافع التي تدفع إلى الغش من طالب لآخر، فقد تكون أسبابا اجتماعية كأن يعاني الطالب من مشكلات أسرية تؤثر على مستواه التحصيلي في المادة،وفي الوقت نفسه يخاف من الفشل والرسوب فيبحث في أوراق زملائه أو بغيرها من الأساليب عن الحلول السريعة والجاهزة لينجح في الامتحان بأي شكل على مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) وهذا مبدأ خاطئ للوصول إلى الهدف فلا تجوز السرقة حتى وإن كانت لهدف نبيل، أو تكون لأسباب صحية بأن يكون الطالب مريضاً ولا يستطيع المذاكرة أو غير ذلك فليجأ للغش، وقد تكون الغيرة من الزملاء دافعاً لغش الطالب المتفوق أو الممتاز أحياناً وهذا نادر، أما عن كيفية اكتشاف المعلم المراقب للطالب الذي يغش فإن هذا الطالب يدرك أنه يقوم بشيء خطأ فيكون مرتبكاً والإنسان المرتبك كثير الحركة وهذا ما يلفت انتباه المعلم المراقب عادة. ويؤكد الصميلي على ضرورة محاربة الغش لدى الطلبة لأن من يرتقي من صف لآخر بجهود غيره ويدخل الجامعة ثم يشغل وظيفة في الحكومة أو في القطاع الخاص بالطريقة ذاتها فهذا لا يملك الكفاءة العلمية التي تؤهله لهذه الوظيفة وشغلها، وان تركت هذه المشكلة في المدارس دون معالجة فإنه سيزيد عدد الغاشين فيها، وبالتالي يزيد عدد الغاشين في المجتمع فتضيع الأمانة وتفقد الثقة بين الناس وإن ضاع الايمان فلا أمان، ويختتم الصميلي بالحل المقترح للقضاء على ظاهرة الغش تقوية الوازع الديني لدى الطلاب بغرس خوف الله وخشيته في نفوسهم وتذكيرهم بأن الله تعالى هو من يسمعهم ويراهم وسوف يحاسبهم، اتخاذ إجراءات صارمة ضد من يغش في الامتحانات كالحرمان من درجة الامتحان والفصل من المدرسة أو نقل الطالب إجبارياً لمدرسة أخرى حتى يشعر بفداحة ما ارتكبه ويعتبر غيره من الطلاب، تعاون المجتمع بشتى أطرافه الموجهة للفرد من مدرسة وبيت ومسجد ووسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزة على محاربة الغش من خلال برامج تثقيفية مكثفة في ذلك، وتوفير عدد كاف من المعلمين والمعلمات لمراقبة قاعات الامتحانات حتى لا تكون هناك محاولات للغش من أصحاب النفوس المريضة. كذلك التقينا مع ناصر المحنشي - ولي أمر - لنتعرف من خلاله على دور ولي الأمر في الحد من ظاهرة غش الطلبة حيث يقول: إذا سمعت أن ابني، يغش سوف يكون ردي سريعاً بأن أحاسبه قبل أن تحاسبه المدرسة أو أساتذته وسأحاول تعليمه وتدريبه للوصول إلى الغاية المنشودة وسأجعل منه القدوة الطيبة التي يقتدي بها زملاؤه الذين قاموا بمساعدته في الغش وسأخطرهم بأن العمل الذي قاموا به بمثابة تخريب لمستقبلهم ومستقبله، كما أنني سوف أحث زميله الذي قام بمساعدته في الغش بالتوقف عن ذلك منذ هذه اللحظة لأن الغش يعتبر تخريبا للمستقبل الذي ينتظره الجميع منهم خلال حياتهم الدراسية ويتحتم على الجميع المكاشفة والاعتراف بالخطأ وأن يتجه الجميع إلى الطرق السليمة والمستقيمة. ويضيف المحنتشي حول كيف يربي في نفس أبنائه أن الغش خلق مذموم بأن أجعل لهم منهجاً طيباً يسلكونه دون أن يصلوا إلى مسلك الغش الذي هو منبوذ ومذموم في كل المجتمعات المتحضرة التي ترى في ذلك شيئا غير مرغوب لديها ومن خلاله تفسد أخلاق الأسر حيث نجد الأبناء ليس لديهم ذلك الاحساس أو الشخصية القوية التي تؤهلهم للاعتماد على النفس وتجعلهم يستغلون ويعتمدون على الاخرين في كل نواحي الحياة التي سيقومون بالعمل فيها من خلال مشوارهم العملي والعلمي دون استطاعتهم أو يتجاوزوها حتى لو أرادوا التوقف عنها خلال الإحساس بالخطأ بعد فوات الأوان ومن هذا المنطلق سوف أربي أبنائي منذ نعومة أظافرهم على المبادئ السمحة وبالنوايا الحسنة والطيبة من خلال إعطائهم المرتكزات والجرع الدينية وتطبيعهم من خلال العادات والتقاليد المتعارفة التي تسود المجتمعات المترابطة لاسيما المجتمعات العربية والإسلامية التي تنتهج المبادئ السليمة القويمة وأن أحثهم بالمسالك الطيبة التي تقربهم إلى المعاني السامية التي كان ينتهجها ويتخلق بها رسول الأمة العربية والإسلامية محمد صلى الله عليه وسلم. من جانبه يقول علي جراح - ولي أمر - أتبع مع أبنائي طرقا شتى منذ الصغر حتى لا تتوغل هذه الظاهرة في نفوسهم وأذكرهم بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم والعقاب الذي سيناله كل من تسول له نفسه فعل هذه الظاهرة ويجب على كوني ولي أمر أن أنصح ابني وأخبره أن الغش صفة مذمومة ويجب عليه أن يعتمد على نفسه في دراسته فإن اعتمد على الغش فتنتج عن ذلك نتائج سلبية لديه في المستقبل.