منذ مدة ليست بالطويلة أقامت وكالة الآثار والمتاحف السعودية حفلة معايدة عيد الفطر الماضي وقدر ليّ ان أحضره واستمع إلى فقراته ومن ضمنها كلمة معالي وزير التربية والتعليم الدكتور أحمد بن محمد الرشيد والتي طلب فيها معاليه من أهل الأقلام التاريخية والمؤرخين ان يدونوا تاريخ إنجازات الرجال وبخاصة في مجال الآثار والمتاحف أو مجال خدمة تاريخ وتراث بلادنا، حيث إنه في ساعة إلقائه كلمته يقصد الجانب القديم أي الآثار لأنه هو تخصص جلّ حاضري ذلك الحفل، والكلام إليهم كان موجهاً. وتلك الكلمة جعلتني أقول إن تاريخ البحث في علم الآثار في المملكة العربية كعلم أكاديمي ممنهج لا يرقى إلى أبعد من ثلاثة وثلاثين عاماً وجميعها محصورة في قسم الآثار والمتاحف في جامعة الملك سعود، وكبحث ميداني فهو لا يرق إلى أكثر من ثلاثين سنة وجلها مقصور على وكالة الآثار والمتاحف في وزارة المعارف وبعض المراكز البحثية الأخرى مثل قسم الآثار والمتاحف. وحديثاً بدأت مراكز بحثية مثل دارة الملك عبدالعزيز ومكتبة الملك عبدالعزيز تهتم بالبحث والتأليف والترجمة في الجوانب القديمة. وننتظر من الهيئة العليا للسياحة دوراً غير مسبوق في مجال الأبحاث الآثارية الميدانية وهي في الطرق إلى ذلك إن شاء الله. أما ما سبق فيتمثل بما جاء في الكتب اليونانية والرومانية السابقة على ظهور الإسلام تليها المدونات التاريخية والبلدانية والجغرافية المكتوبة خلال العصر الإسلامي المبكر والوسيط. ثم جهود الرحالة الغربيين خلال الثلاثة قرون الماضية وهم ينقسمون إلى مجموعات وفقاً لمجهوداتهم، ثم عمل البعثات الأجنبية المبكرة، وبعد ذلك عمل الباحثين السعوديين من مؤرخين وجغرافيين ورحالة خلال العصر الحديث. وبعد ما ذكرت يأتي دور قسم الآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود ووكالة الآثار والمتاحف في وزارة التربية والتعليم والمراكز البحثية الأخرى. ولا شك ان دعوة معالي الوزير تستحق الاستجابة لأن من الوفاء ان توثق جهود البشر، وهذا أقل ما يمكن ان يقدم لمن ساهم وقدم ما يفيد في النهضة العلمية الآثارية في بلادنا. قد يعيش الإنسان طويلاً وقد يتقلب في مناصب قيادية وقد يكون من ملاك الأموال الطائلة ولكنه بعد ان يتقدم به العمر يفقد المتعة فيها كلها ويبدأ في البحث عن ما قدم وتكثر عنده التساؤلات وحول موقعه بين مواقع الرجال، ولا شيء يخلد ذكر الرجل لفترة من الزمن مثل تدوين إنجازاته والاعتراف بها من خلال تدوين أعماله وبالمثل فإن تركها يعني عدم الاعتراف بها. اجتمعت مع الاخوة الزملاء على العشاء المقام في تلك المناسبة والجميع أثنى على نظرة معالي الوزير للآثاريين والمؤرخين والاعتراف المهم في دورهم في حفظ الإنجازات البشرية وحثه لأقلام المؤرخين ان تسير بالمداد وتوثق ذلك التاريخ. ولذا فالوزير اقترح ونحن، وأقصد بنحن مجموعة من الآثاريين المنتسبين إلى قسم الآثار والمتاحف في كلية الآداب في جامعة الملك سعود، أعجبنا بحديث الوزير وطرحه الذي هو محور تفكير الآثاري والمؤرخ والمتمثل بالتفكير الدائم حول منجزات الإنسان وبخاصة في الجانب البحثي، والتساؤل عن عدم تدوين هذه المنجزات وتسجيلها لتكون تاريخاً لمنجزيها إذ هي مساهمتهم خلال حياتهم الفانية في سبيل رقي وتطور البشرية ومن حقهم ان تبقى إنجازاتهم بتدوينها لترى وتقرأ أجيالا بعد أجيال، وفي حالة عدم تسجيلها وتوثيقها سوف تنسى بل لن يكون لها أثر أو بقاء. ولا شك أننا سعداء باهتمام معالي الوزير وحرصه على تثبيت التاريخ البحثي في علم الآثار في المملكة العربية السعودية، أشعر بالفخر بهذا الاهتمام وبخاصة أني أعرف قصر عمر الدراسات الآثارية في المملكة العربية السعودية قياساً بغيرها ومع ذلك يأتي اهتمام كهذا من شخص يقود التعليم ما دون الجامعي في بلادنا الغالية كإشارة إلى أهمية البحث الأثري. ومع إعجابنا واستعدادنا للمشاركة كتابة نقول ان السوء كل السوء ان يكتب تاريخ العلوم غير المتخصصين فيها، فعندما لا يكتبه المختص سوف يكتبه غيره الذي قد لا يكون ملماً بمساره التاريخي التطوري فيأخذ إما ما يقال له أو يجمع معلومات جمعاً ناقصاً فيأتي ما يكتب مشوهاً ومشوهاً للحقيقة. وما أجمل التاريخ عندما يعرض الحقائق ناصعة ومسارات الأشياء واضحة ولتتحق الجمالية لابد ان تكتبه أقلام متخصصة، بل أقلام نزيهة تستند في كتابتها إلى حقائق ملموسة. فنحن استجبنا ونحن المتخصصون فهل يواصل معالي الوزير دعمه لمشروع هو مقترحه، نأمل ان نجد التشجيع المادي والمعنوي من معاليه ونحن الآثاريون دوماً في خدمة تاريخ الإنجازات، وبخاصة الإنجازات البشرية. وفي الختام نشكر معاليه على اهتمامه وطرحه ولعله يكمل ما بدأ بتبني مثل هذا العمل وسوف يرى منا الأثريين أتم الاستعداد للمشاركة والكتابة الواعية، وأقصد بالآثاريين أساتذة قسم الآثار والمتاحف في جامعة الملك سعود وزملائهم في وكالة الآثار والمتاحف ومن يوجد منهم في المواقع الأخرى.