في محاضرة مهمة استعصى على الحضور في أحد الصفوف متابعة ما يقوله المحاضر لأن شخصاً قابعاً بينهم ظل طوال المحاضرة يتلقى اتصالات متتالية عبر جواله! طيلة المحاضرة وجوال صاحبنا يشنف الآذان بأنغامه المنتقاة بشكل يجسد ذوق «أو قلة ذوق، إن إردنا الدقة» ذلك الشخص الذي لم يتأخر مرة واحدة عن الرد على أنغام جواله، لقد شغل جميع من كانوا حوله عن متابعة المحاضرة، فهو يسترسل في الحديث مع من يهاتفونه بصوت مرتفع كما لو كان جالساً وحده في مكان بعيد كل البعد عن الناس. ورغم شعورك بالانزعاج، بل وحتى الغضب، تجد نفسك مدفوعا لمتابعة ما يتحدث به صاحب ذلك الجوال الذي أباح لنفسه أن يعكر صفو من جاءوا لسماع المحاضرة، وهنا تذهل من سخافة وسطحية هذه العينة من البشر لأنك تكتشف أنه يرد أحيانا على أرقام مجهولة لا يعرف أصحابها حين يدخل في حوار ينتهي بجملة: «لا يا أخي.. الرقم غلط»! حسناً، اذا كان الرقم خطأ، واذا كنت - يا من تحمل معك جوالك المزعج إلى كل مكان - قد جئت حقا لسماع محاضرة تعتقد أنها مهمة.. كيف تنساق للاستجابة لنداء رقم لا تعرفه!!؟ من الملاحظ أن بعض هواة الجوال يبلغ بهم الولع بالجوال إلى تجاهل أي ظروف تحيط بهم حين يستقبلون مكالمة، بعضهم يكاد يقفز من مكانه بفرح طفولي لمجرد أن يسمع نغمة الجوال، وبعضهم ينطلق في الحديث، ويأخذ راحته «إلى الآخر» متحدثاً بصوت جهوري مسموع حتى الازعاج.. بل حتى الاضحاك لأن بعض ما يدور في تلك المكالمات - بالنسبة للآخرين - يبدو نشازاً لأنهم لا يعرفون موضوع المكالمة وكل ما يسمعونه ويرونه هو كلمات متقطعة وحركات شبه بهلوانية من شخص كان يبدو عاقلا إلى أن استقبل تلك المكالمة التي قلبته رأساً على عقب. أما أصحاب الجوالات الذين يضعون الأنغام الموسيقية أو نقيق الضفادع أو صياح الديكة أو بكاء الأطفال أو غيرها من الأصوات العجيبة ثم يحضرون بجوالاتهم إلى المسجد فهؤلاء يحتاجون إلى طبيب نفسي يدرس أوضاعهم النفسية.. فهم، بكل تأكيد، ليسوا أسوياء بدءاً من اختيار تلك الأنغام المخجلة وانتهاءً بترك جوالاتهم مفتوحة أثناء أداء الصلاة جماعة!! إنني أعرف أن مجرد الكتابة عن موضوع مثل هذا، واقتطاع مساحة من الجريدة للتعليق على هذه الظاهرة في الوقت الذي تضطرب فيه الدنيا من حولنا بالأحداث الجسام هو أمر قد لا يكون مناسبا.. ولكن ماذا أفعل وقد أفسد علي واحد من نشامى الجوالات محاضرة كاملة مساء الأحد الماضي جئت اليها على بُعد مسافة بعيدة تاركاً ارتباطاتي الأخرى لأجد أمسيتي وقد صادرها ذلك الفارس الهمام!؟