عاد مارلون براندو من بين الأموات في شهر ايلول الماضي ليظهر ليس في صالات السينما هذه المرة، بل في المكتبات كمشارك في تأليف كتاب «Fan Tan» عن مغامرات قرصان جريء في أوائل القرن العشرين. ويشبه غلاف الكتاب الذي يضم 256 صفحة غلاف مجلة شعبية من الثلاثينات وعليه صورة امرأة آسيوية ترتدي ثوباً قرمزياً من الحرير تغطي نصف مساحته. ويطل من خلفها بحار يشبه همفري بوغارت في فيلم «The African Queen». وقد نالت الرواية إعجاب مجلة «Publisherصs Weekly» التي قالت في تعليقها: «خذ إعصاراً وعملية غادرة ومشهداً جنسياً حارقاً وقتالاً بالسلاح الأبيض واخلط الجميع بمحاولة فرار إلى الحرية لكي يتأرجح القراء من حبال الأشرعة مع بقية القراصنة في هذه الملحمة الجارية في أعالي البحار». ويتمحور الفيلم حول القرصان أناتول دولتري (الملقب أني). وفي فترة سجنه لستة أشهر في أحد سجون هونغ كونغ ينقذ دولتري حياة أحد السجناء. وبعد خروجه من السجن يكتشف دولتري أن عمله هذا قد أكسبه خطوة كبيرة لدى أحد زعماء العالم السفلي - هي القرصانة الجميلة والثرية جداً المدام لاي تشوي سان التي تدعوه إلى المشاركة في الاستيلاء على سفينة بريطانية محملة بالفضة. ولا يستطيع دولتري مقاومة سحر القرصانة أو المغامرة فيغرق في المعارك والأعاصير والجنس. رحلة الكتاب ابتداءً من الكتابة حتى النشر كانت طويلة مثل رحلات دولتري. وقد بدأت في أواخر سبعينات القرن الماضي عندما كان براندو سميناً على نحو سخيف وغاضباً من الأجواء المسيطرة على هوليوود يقبل عروضاً بالعمل بين الحين والآخر مقابل حوالات بملايين الدولارات كان يحتاج إليها ليعيل عائلته ويؤمن صيانة دارته وممتلكاته في تاهيتي. وبما أنه كان قد سئم التمثيل تحول براندو إلى كتابة السيناريوهات وبدأ تأليف روايته «فان تان» التي اقتبس اسمها من لعبة قمار صينية صغيرة. وكان البطل يشبه براندو إلى حد كبير: متوسط العمر وزائد الوزن ويحب إلحاق الأذى بالناس ويهوى النساء الآسيويات. وعلِى غرار كل أعماله في السنوات الأخيرة من حياته وصل براندو إلى طريق مسدودة فأيقن أنه يحتاج إلى مساعدة، فعثر على دونالد كمل وهو شخص غامض مثله، وكانت هناك قواسم مشتركة عديدة بينهما كنمط العيش الصارخ والمزاج الفني وحب النساء الآسيويات. كمل، ابن العائلة الارستقراطية الاسكوتلندية الوسيم درس الرسم وأدمن على تعاطي الكحول والمخدرات في فلورنسا بايطاليا وقد تحول إلى السينما فأخرج فيلم «Performance» غير المنطقي في السبعينات بنجومية جيمس فوكس وميك جاغر، واعتبر الفيلم فاشلاً. وقد أعجب براندو بالفيلم الذي صنعه كمل وعرض عليه مساعدته في كتاب «فان تان». وقام تعاون متين بين الاثنين وأمضيا معاً ثمانية أشهر في جزيرة تيتياروا التي كان يملكها براندو في تاهيتي. وكان براندو مستاءً من هوليوود إلى درجة أنه رفض عرض فكرة الرواية على هوليوود. وفي العام 1982 قدم صوني مهيتا مدير دار نشر Pan Books في لندن في حينه، مائة ألف دولار لتحويل الخطوط العريضة إلى رواية. وحدث خلاف بين براندو وكمل فأعاد براندو الدفعة الأولى ودفع حصة كمل بنفسه. وبعد أن عجز فيلم «The Wild Side» الذي صنعه كمل سنة 1986 أقدم كمل على الانتحار عن 62 سنة. وعلى أثر وفاة براندو عن 80 عاماً في السنة الماضية باعت أرملة كمل، تشاينا كونغ، مخطوطة الرواية لمهيتا الذي يعمل رئيس تحرير لدار Alfred A.Knopf للنشر، ولكن المؤرخ السينمائي دافيد طومسون قرر أن ينتج «فان تان» وكتابة الفصل الأخير للرواية الذي كان براندو قد وضع خطوطه العريضة. وقال طومسون المقيم في لوس أنجيلوس ان شخصية أني دولتري هي صورة ذاتية لبراندو وهناك محاضر لاجتماعات عقدها براندو مع براندو وقد أدخل عليها مواقف ارتجالية لشخصية أني دولتري، «وبوضوح - كان يعتقد أنه قادر على تمثيل الدور بنفسه في فيلم سينمائي». وقام طومسون بتنقيح النص الذي قدمته أرملة كامل فألغى الفقرات المتكررة وملأ الثغرات المجودة في القصة». ويوافق جورج انغلوند، صديق براندو القديم على أن الممثل اعتبر نفسه شخصية أني دولتري. وكانت لدى انغلوند الذي أخرج فيلم «الأميركي القبيح» بنجومية براندو، نسخة أصلية لرواية «فان تان» بهوامش بخط يد براندو، وهو نُشر في السنة الماضية مذكراته عن تعامله مع الممثل. وقال انغلوند: «يمكن القول إن فان تان هو مشروع آخر من مشاريع براندو، قبل بضع سنوات خطرت له فكرة لعب دور عميل للسي. اي. ايه يتم استدعاؤه للعمل بسبب إطلاعه على معلومات خاصة، بل كلف عميل سي. اي. ايه متقاعد للعمل معه. وفي النهاية كانت المشكلة هي نفسها: لم يكن يتحلى بالانضباط لاستكمال المشروع». وهل يمكن أن نتوقع تحويل - «فان - تان» إلى فيلم؟ حتى الآن ليست لدى الناشر أي عروض سينمائية وربما تنتظر الاستوديوهات لترى ماذا ستتحول «فان - تان» من الكتب الأكثر مبيعاً. إن الروايات الملحمية البحرية معروفة بأن تحويلها إلى فيلم باهظ التكاليف. إلا أن ذلك غير ذي شأن في عالم التأثيرات الخاصة التي تصنع بالكمبيوترات. ولكن من هو الممثل الذي يستطيع أن يلعب دور دولتري الذي كتبه مارلون براندو العظيم قياساً على نفسه؟